معاليه أدوميم تعتقل خربة المرصرص!
الخان الأحمر - أسامة العيسة : سيجد المرء صعوبة، في تخيل الفضاء الصحراوي، الذي سيطر على المشهد، طوال قرون، في منطقة الخان الأحمر، الممتد حتى صحراء البحر الميت، قبل غزوه بالاستيطان اليهودي، واقامة مستوطنة (معالية ادوميم) الضخمة، التي تعتبرها سلطات الاحتلال، حدودا شرقية للقدس المحتلة.
هذا الفضاء الصحراوي، لم يكن فارغا خلال التاريخ الفلسطيني، حيث انتشرت الأديرة والصوامع خصوصا في العصر البيزنطي، وقد تم تسجيل نحو 80 موقعا شهدت نشاطا تنسكيا في صحراء البحر الميت، ولكن الأمر اختلف بشكل جذري، مع التدمير الممنهج للجغرافيا الفلسطينية، الذي رافق المشاريع الاستيطانية اليهودية المدمرة، مثل (معاليه ادوميم) التي اقيمت في عام 1976، وتمددت لتفرخ مستوطنات أصغر ومناطق صناعية استيطانية، وغيرها.
وتحتجز (معاليه ادوميم) التي يعيش فيها 20 الف مستوطن، موقعا اثريا مهما، عُرف باسم (خربة المرصرص)، لا يسمح للفلسطينيين بالوصول اليه، وقد أصابه التدمير، ونقلت سلطات الاحتلال موجوداته ومن بينها أرضيات فسيفسائية مميزة، الى موقع السامري الطيب، على طريق القدس-اريحا، الذي حولته هذه السلطات من مكان يرمز الى ذكرى مرور السيد المسيح من اريحا الى القدس، الى متحف وضعت فيه ما سرقته من قطع فسيفسائية من الضفة الغربية وقطاع غزة.
(خربة المرصرص) تضم واحدا من أكبر الأديرة القديمة، والأكثر اهمية وتفصيلا في الأراضي المقدسة، وينسب للراهب (مارتيريوس) الذي جاء الى فلسطين من كابادوكيا في الأناضول (تركيا المعاصرة). وبنى ديره في البرية، على بعد اربعة اميال الى الشرق من القدس، ويمكن ملاحظة كيف حفظت الذاكرة الجمعية الفلسطينية اسم الراهب من خلال التحوير الى (خربة المرصرص).
لم تكتف سلطات الاحتلال باحتجاز الموقع داخل (معالية ادوميم) ولكنها نقبت فيه، بقيادة اسحق ماجن، ما بين عامي (1981-1984)، وكشفت عن الكنيسة في الدير، وغرفة الطعام، واسطبلات، وبعض من اجمل لوحات الفسيفساء المكتشفة في فلسطين.
وتصور هذه اللوحات الفسيفسائية، الغزلان والطيور، والأرانب المحاطة بأشجار الكرمة، والمؤطرة بالزهور، والتشكيلات الفنية الرائعة الأخرى.
وكشفت الحفريات عن جدران الدير، التي كانت بارتفاع مترين، والبوابة الرئيسة في الجهة الشرقية، وعن العديد من الصهاريج والقنوات لجمع مياه الأمطار، ومخزن، وحمام، ونزل للحجاج.
وفي الجانب الشمالي من المجمع، عثر على كهف يحوي هياكل عظمية عدة، ويعتقد بان هذه المغارة هي التي عاش فيها (مارتيريوس) في البدء، وقبل بناء ديره ثم صعوده درجات سلم الكهنوتية ليصبح بطريرك الكنيسة في القدس، في وقت شهد فيه العالم الأرثوذكسي آنذاك صراعات داخلية حول قضايا لاهوتية وفلسفية مثل طبيعة السيد المسيح. كان لمارتيريوس موقفه المبدئي منها، كما اعتقد. والتي ما زالت تترك اثارها على العالم المسيحي حتى اليوم.
وتم العثور في غرفة الطعام المحاطة بمقاعد حجرية مقسومة الى صفين، على مئات من أواني الفخار، والسيراميك، وكؤوس النبيذ.
(خربة المرصرص) مبنية على تلة تطل على طريق القدس-اريحا التاريخي، وحافظت على مكانتها رغم تبدل الظروف والاحتلالات المتعاقبة، وتعرض الدير الى اضرار في اثناء الغزو الفارسي لفلسطين في عام 614م، والذي راقبه العرب في الجزيرة العربية، بقيادة النبي محمد (ص)، بعناية، وتنبأت سورة الروم في القران الكريم، بانتصار الروم على الفرس، ثم بهزيمة الروم، وهو ما حدث بانتصار العرب ودخولهم فلسطين في القرن السابع.
تاريخ (خربة المرصرص) هذا يتوارى الآن، ولا تظهر "الخربة" ابدا بين الكتل الاسمنتية، التي تشكل مستوطنة (معاليه ادوميم)، التي تكتب بلغة الجرافات تاريخا جديدا للمنطقة، لا يشكل فيه دير (مارتيريوس)، الا نتفا في الدراسات الاثرية الاسرائيلية، المعتمدة على قوة الاحتلال.