مسؤولة أممية: شمال قطاع غزة يعاني مجاعة شاملة تتجه إلى جنوبه    انتشال جثمان شهيد ثانٍ من تحت ركام المنزل الذي هدمه الاحتلال في دير الغصون شمال طولكرم    مستعمرون يعطبون مضخات مياه في الأغوار الشمالية    ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة الى 34,654 والاصابات إلى 77,908 منذ بدء العدوان    الاتحاد الأوروبي: ملتزمون بحماية استقلال المحكمة الجنائية والتهديدات ضدها غير مقبول    الاحتلال يشدد إجراءات دخول المسيحيين إلى القدس لإحياء الشعائر الدينية بـ"سبت النور"    طلاب في جامعة "برينستون" الأميركية يضربون عن الطعام تضامنا مع غزة    مجلس الأمن يعقد اجتماعا الأسبوع الجاري بشأن المقابر الجماعية في قطاع غزة    مع دخول العدوان يومه الـ211: الاحتلال يواصل قصفه الصاروخي والمدفعي على قطاع غزة مخلّفا عشرات الشهداء والجرحى    الحراك الطلابي التضامني مع قطاع غزة يمتد إلى جامعات جديدة حول العالم    الاحتلال يشرع بهدم المنزل المحاصر في دير الغصون شمال طولكرم    شهداء وجرحى في قصف للاحتلال على مناطق متفرقة من قطاع غزة    انتشال جثامين 7 شهداء من مدينة خان يونس    قوات الاحتلال تحاصر منزلا في بلدة دير الغصون شمال طولكرم    دويكات: الأجهزة الأمنية تعاملت مع شخص أطلق النار على دورية للأمن في طولكرم  

دويكات: الأجهزة الأمنية تعاملت مع شخص أطلق النار على دورية للأمن في طولكرم

الآن

تعهدات أميركا لإسرائيل

 فتحي البس

في مقالتي السابقة "المسألة اليهودية"، أوضحت أن الدول الأوروبية نفذت وعد بلفور بإقامة دولة إسرائيل ليس حبا باليهود وإنما للخلاص من تبعات الكراهية الناجمة عن المسألة اليهودية لعقود، ولتكون قاعدة جاهزة لحماية مصالحها في الشرقين الأدنى والأقصى، فباركت الولايات المتحدة هذا المشروع مدركة أهميته لها في المستقبل. انتظرت حتى عام 1956 لتنتزع الإشراف الكامل عليه، فبادر آيزنهاور، الرئيس الأميركي آنذاك إلى أمر بريطانيا وفرنسا وأداتهما إسرائيل لإنهاء العدوان الثلاثي على مصر وإنهاء احتلالهما لمنطقة قناة السويس وسيناء بعد المقاومة الباسلة للمصريين والموقف الحازم لخروتشوف، زعيم الاتحاد السوفييتي، وأسبغت على إسرائيل الحماية والرعاية منذ ذلك التاريخ مع إلزام أوروبا أيضا بالتمويل المستمر.

أرادت الولايات المتحدة من إسرائيل تحقيق أهدافها السياسية والعسكرية والاقتصادية وأن تكون قاعدة لتهديد أمن دول الإقليم، فتضمن تدفق النفط ومبيعات السلاح الضخمة لها، ومصالح أخرى متعددة كمنع انتشار الشيوعية، وضمان إذعان هذه الدول لسيطرتها وتنفيذ سياساتها. ومنذ ذلك التاريخ أعلنت أميركا أنها تضمن أمن إسرائيل وأعطتها في كل الأوقات ما سمته حق الدفاع عن نفسها، ليس عسكريا فقط، فقد صدت عنها كل الهجمات الدبلوماسية ومنعت إدانتها في كل المحافل الدولية بما في ذلك دورها المعروف في إلغاء قرار الأمم المتحدة باعتبار الصهيونية حركة عنصرية.

لعبت إسرائيل الدور المطلوب منها، ولكن أوكسجين الحياة تدفق عليها بالمقابل سلاحا ومالا ودعما تقنيا وصناعيا ليس له مثيل حتى أقنعت العالم بأنها دولة متقدمة بجهودها في كل المجالات، بينما كل ما حققته منشؤه الولايات المتحدة وأوروبا بما في ذلك تقنيات الزراعة والسلاح والتكنولوجيا المتقدمة.

الآن، ومع التحديات والتغيرات الكبرى في العالم بدأ نقاش هذه التعهدات لسببين، الأول فشل المشروع الصهيوني في إخضاع الشعب الفلسطيني ووحدته في الوطن والشتات، واستنفاد إسرائيل كل أدواتها العسكرية والاقتصادية والقمعية من قتل وتدمير واعتقالات يومية وحصار وحواجز لتحقيق أهدافها والذي ترافق مع سيطرة التطرف لغلاة أتباع الرواية التوراتية من المستوطنين وتغلغلهم وسيطرتهم على نمط العيش في دولة قيل إنها الديمقراطية الوحيدة في المنطقة، فظهر أنها الدولة الوحيدة التي تحتل أرض شعب آخر وتمارس التمييز العنصري والاضطهاد على قرابة سبعة ملايين فلسطيني بين النهر والبحر.

أما السبب الثاني فهو تصاعد التحدي للنفوذ الصهيوني في العالم باعتراف غالبية دوله، بدولة فلسطين وفي الولايات المتحدة الأميركية وتنامي حركة المقاطعة لإسرائيل، خاصة في المؤسسات الأكاديمية التي طرحت في أروقتها أسئلة أخلاقية وفكرية وفلسفية حول التناقض بين القيم التي تدعي أميركا وأوروبا الالتزام بها وقيام هذه الدول بدعم لا أخلاقي عسكري وسياسي واقتصادي لدولة عدوان واحتلال وتمييز عنصري.

تواجه إدارة بايدن هذا المأزق بتردادها للتعهدين نفسهما حتى وهي تحاول ترميم الأضرار التي ألحقها ترامب وزوج ابنته، كوشنير تاجر العقارات بصورة أميركا، وعودة الاهتمام بالملف الفلسطيني، وإعادة القيادة في الإقليم حيث يجب أن تكون لدى مصر وتكليفها بالملف بعد قطيعة طويلة، لقدرتها وموقعها، وهذا موضوع آخر يحتاج إلى شرح في المستقبل.

بدأت في أروقة الكونغرس والشارع الأميركي، وبالطبع في كل العالم، أسئلة عميقة عن جدية بايدن وتواجهه بسيل من الاتهامات حول الكلفة الباهظة الاقتصادية والسياسية لتنفيذ التعهد بحماية أمن إسرائيل، فماذا يمكن أن يقدم أكثر لها، من ضمان تفوقها العسكري على كل المحيط، ووضوح أن الشعوب والدول المحيطة بها هي التي تحتاج إلى حماية.

أما حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها فيواجه بالسخرية إذ ثبت لكل العالم أن إسرائيل هي المعتدية منذ نشأتها، وهي التي ترتكب المجازر تحت هذه الحجة، وتمارس القتل والتدمير، ومشاهد آثار حربها الأخيرة على غزة، وممارساتها في الضفة والقدس وداخل الخط الأخضر كافية، فإذا أضيفت لها آثار عدوانها على المحيط عبر العقود الطويلة في مصر وسوريا ولبنان والأردن، تبرهن أن الدول والشعوب في الإقليم هي التي تملك الحق في الدفاع عن نفسها بكل ما لديها من قدرات.

إذن، إدارة بايدن ستظل في مأزق أمام الأميركيين والعالم إذا ظلت تردد هذه التعهدات الباطلة، وإذا لم تضع ثقلها ووزنها الهائل لمعالجة أصل الصراع، الاحتلال، وعدم الاكتفاء بالحديث عن حل الدولتين، حيث تكمن الجدية بالاعتراف بالدولة الفلسطينية كاملة السيادة واقتران رفضها للاستيطان بإجراءات رادعة، ولدى بايدن القدرة التي امتلكها آيزنهاور، والشعب الفلسطيني وأنصاره ينتظرون تنقية سياسة الولايات المتحدة من المراوغة وشراء الوقت وأن تستبدل التعهدات لإسرائيل بتعهدات حقيقية للشعب الفلسطيني ودول المحيط بالأمن والاستقرار والاعتراف بحقها بالدفاع عن النفس.

ha

إقرأ أيضاً

الأكثر زيارة

Developed by MONGID | Software House جميع الحقوق محفوظة لـمفوضية العلاقات الوطنية © 2024