يوميات المعركة....اليوم الثالث 2002/4/3 الأربعاء: لسعة النحلة المباركة- النائب جمال حويل
القدس - رام الله - الدائرة الإعلامية
بعد هدوء كامل ويوم طويل من الانتظار في اليوم الثاني، كانت بداية الهجوم الحقيقية الساعة الثانية وعشر دقائق صباحاً، من الجهة الجنوبية-الشرقية، حيث تقدمت القوات الإسرائيلية عبر تمركز قرابة 50 دبابة وآلية يرافقها جنود مشاة (جندي-جندي)، وبهدوء تام من منطقة الجابريات باتجاه الجهة الشرقية من شارع الغبَّس وخلة الصوحة، وفوجئوا بانفجار عبوة ناسفة كانت عبارة عن أنبوبة غاز حمراء وضعت في زاوية بيت أبو الوفا-مقابل بيت الحاج راجح، ووصلت أسلاكها مع أسلاك الكهرباء حتى لا يتم كشفها، وتم تفجيرها من قبل مجموعة أمن وطني ومقاومين أصابت العديد من جنودهم حيث سمع صراخهم وعويلهم، وتمت مصادرة بعض قطع السلاح من الجنود المصابين، ما أدى إلى إعاقة التقدم من هذه المنطقة لتضميد الجرحى ونقلهم من ساحة المعركة، وإعادة ترتيب صفوفهم. وقد تم استدعاء طائرات الأباتشي على الفور، وقامت بقصف المنطقة برشاشات ثقيلة من أجل إبطال مفعول العبوات الناسفة من خلال إصابتها بشكل مباشر بالنيران أو قطع الأسلاك المتصلة بالعبوات والمتحكَّم بها من قبل المقاومين. وقد استمر الجنود بعد ساعة بالتقدم من منطقة خلة الصوحة، إلى أن وصلوا إلى الجهة الشرقية من شارع الغبَّس بالقرب من مسجد عمر بن الخطاب ومقابل دخلة الزغل وحارة الدمج، حيث رافق تقدم الجنود إطلاق نار كثيف، وصوت جنازير الدبابات وهديرها.
وفي المقابل تواجد في هذه المنطقة مجموعة من المقاومين، وكان على رأسهم زياد العامر، وعماد مشارقه وطه الزبيدي وهاني أبو ارميلة (وكلهم قد استشهدوا في أوقات لاحقة)، ومعهم كذلك أبو علي بركات والخميني وعلاء فريحات. في بداية المعركة، أصيب الشاب هاني أبو رميلة وحاولت الممرضة فدوى الجمال من مخيم نور شمس (والتي كانت في زيارة لأختها رفيدة الجمال) إنقاذ هاني وإسعافه، فأصيبت برصاصة في الرأس واستشهدت على الفور. وحاولت أختها رفيدة إسعافها، فأصيبت أيضاً برصاص قناص كان متمركزاً في مسجد عمر بن الخطاب. وكان هناك إصرار واضح من جنود الاحتلال على التقدم من هذه المنطقة باتجاه حارة الدمج لقسم المخيم إلى نصفين وعمل اختراق في صفوف قوى المقاومة الفلسطينية حسب خطة الهجوم لدى قوات الاحتلال الصهيوني.
وقد دارت اشتباكات عنيفة في هذه المنطقة، حيث تمكن خلالها الشهيد زياد العامر (وكان يحمل سلاح ناتو) من "قنص وقتل الميجر موشيه غيرتسر"-كما أفادت أخبار سمعناها في ذلك اليوم عبر محطات الراديو. كما تمت إصابة أربع جنود من قوات العدو خلال هذه المعركة. وكان الجيش والقناصة متمركزين في بيت أبو نادر السعدي، وحاول القائد زياد العامر الالتفاف عليهم من بيت آخر، ولكن القناصة، الذين أخذوا مواقعهم في المنطقة شرق شارع الغبَّس، قاموا بإطلاق رصاصهم على أقدام الشهيد زياد العامر، الذي حاول الانسحاب وهو مصاب، إلا أنهم استمروا في إطلاق النار عليه حتى استشهد. وقد حاول رفيقه عماد مشارقه إنقاذه وسحبه إلى مكان آمن، إلا أنهم قاموا بقنصه وإصابته إصابة مباشرة أوقعته مباشرة بجانب قائده ورفيقه سلاحه زياد العامر.
وقد وقع خبر استشهاد القائد زياد العامر على مسامع المقاتلين كالصاعقة. ومع أن استشهاده شكَّل صدمة وحزناً كبيراً للمقاومين، إلا التعبئة والتجربة الكبيرة التي تحلى بها المقاتلون أدت إلى أنهم تنادوا وكبروا وهتفوا: "بالروح بالدم نفديك يا زياد،" فكان لاستشهاده دفعة قوية للمقاومين جميعاً، إذ إنه إذا كان زياد قد استشهد، فعلى الجميع أن يقاتل بقوة ثأراً لزياد، ولنيل الشهادة مثله. وقد حدثنا مقاومون، فيما بعد، بأنهم كانوا خارج المخيم لا يريدون المشاركة في المعركة، ولكن عندما سمعوا خبر استشهاد زياد عادوا إلى المعركة بقوة ومعنويات عالية. وفي هذه الأثناء، كذلك، استشهد المواطن عطية أبو ارميلة، الذي لم يتمكن أحد من دفنه نتيجة لحظر التجول، و منع سيارات الإسعاف والأطقم الطبية من دخول المخيم، ولشراسة المعركة. ومن المشاهد المؤلمة، والقصص السوريالية، أن جثمان الشهيد أبو ارميلة بقي مسجى في بيته لعدة أيام دون دفنه، ولم يدرك أطفاله حقيقة استشهاده، وكان أحدهم يتوعد الآخر بأنه سيخبر والده (الشهيد) بما عمل به ليعاقبه!
هذا، وقد تم نقل جثامين الشهداء (ومنهم: فدوى الجمال، هاني أبو رميلة، وزياد العامر، ويوسف القلق الذي استشهد في يعبد) إلى مستشفى جنين الحكومي, الذي سمي لاحقاً على اسم الشهيد الدكتور خليل سليمان الذي استشهد لأثناء قيامه بواجبه في اجتياح آذار 2002 بعد أن تم استهدافه بقذيفة أنيرجي. في هذه الأثناء كان هناك طفل يسمى محمد عمر حواشين وعمره 12 عاماً، والذي يتبين من شهادة أحد المقاومين الذي كان يجلس مع والده وبعض المقاتلين (والتي سترد أدناه) بأن الطفل كان يحدث والده بأنه يريد وضع العبوات في حقيبته المدرسة ويتساءل كيف تكون الشهادة؟ وقد حدثه أحد المقاومين بأن الشهادة كلسعة النحلة. فطلب من والده واستأذنه بأنه يريد رؤية الشهيد زياد العامر في مستشفى جنين، وقام باللحاق بوالدة زياد العامر التي كانت تبحث عنه، غير مصدقة استشهاد أكبر أبنائها، وتريد رؤيته في مستشفى جنين. وعندما اقترب الطفل محمد حواشين من مستشفى جنين، قام جنود الاحتلال وقناصته بإصابته برصاصة في الصدر، فاستشهد على الفور بعد قرابة عشر دقائق من تلك المحادثة. وقد دفن هؤلاء الشهداء في ساحة قريبة من المستشفى لعد وجود سعة في ثلاجة الموتى التي في المستشفى.
وفي شهادة أخرى على استشهاد الطفل محمد حواشين،يقول عبد الله حويل (الذي اعتقل في اليوم العاشر للمعركة): كان الوقت عند الظهيرة تقريباً من يوم الأربعاء، وكانت الأحداث في طريقها إلى الذورة، فتوجهت أنا وصديق لي إلى بيت صديق ثالث لنا يدعى أبو محمد الحواشين لنستريح قليلاً. فاستأذنا ودخلنا البيت وجلسنا في غرفة الضيوف، أنا وصديقي وأبو محمد، وابنه الطفل محمد حواشين ذي الـ 12 ربيعاً. وبدأنا بالحديث عن أوضاع المخيم، وخلال وقت قصير انتشر خبر استشهاد زياد العامر وهو من المقاتلين الأشداء، فتحول الحديث حول الشهيد زياد. ثم طلب صديقي حقيبة مدرسية ليضع فيها بعض أغراضه. فذهب الطفل محمد، وأحضر حقيبته المدرسية، وأفرغ جميع محتوياتها من الكتب وأعطاها لصديقي. بعد هذا سألني الطفل محمد سؤالاً غريباً بالنسبة لعمره. قال لي: "يا عمي كيف بستشهد الإنسان؟ وصحيح الاستشهاد إشي مؤلم؟" فأجبته بما يناسب عمره، وهو: أن الإصابة مثل قرصة النحلة، ثم يغمض الشهيد عينيه، ويفتحها فإذا هو في الجنة. فاستغرب الطفل محمد جداً من بساطة المسألة. ثم خرج من البيت متوجهاًَ إلى مستشفى جنين القريب من المخيم علَّه يستطيع رؤية الشهيد زياد العامر. وعند وصولة قريباً من ثلاثة حفظ الموتى التي يوضع فيها الشهداء، أصابته رصاصة قنَّاص غادرة في الصدر فاستشهد على الفور بعد حوالي عشر دقائق من سؤاله عما إذا كانت الشهادة تؤلم أم لا. أما أبو محمد، فقد كانت هذه آخر ساعة يرى فيها ابنه محمد لأنه تم دفنه بجانب المستشفى الحكومي هو وعدد آخر من الشهداء. وبعد انتهاء المعركة تم نقلهم رفاتهم جميعاً إلى مقبرة الشهداء بجانب المخيم.
لم يتوقف هدير أصوات المقاومين من سماعات محمولة على السيارات، والسماعات المحمولة بالأيدي لرفع الهمم، وهتافات تصدح بالله أكبر، وبالروح بالدم نفديك يا شهيد. ووسائل الإعلام قد مُنعت من دخول المخيم حيث أعلنت محافظة جنين "منطقة عسكرية مغلقة" حسب أوامر جيش الاحتلال الصهيوني، بمعنى أنه يحظر على وسائل الإعلام وغيرها دخول المنطقة ليتاح للجيش الاحتلالي الانتهاء من "مهمته" دون أن يتم تسجيل جرائمه. أما المقاومون، الذين تواصلوا مع وسائل الإعلام بأجهزة الهاتف المحمول، فقد أكدوا بأنهم سيقاتلون حتى آخر رصاصة وآخر مقاتل، وكرروا بأنهم سيمرغون أنف الاحتلال بالتراب، وسيلقنونه درساً لن ينساه.
يتبع...
رابط اليوم الاول
http://fatehwatan.ps/page-77883-ar.html
رابط اليوم الثاني
http://fatehwatan.ps/page-78006-ar.html