الخليل 'العتيقة' ما بعد العاصفة
دعاء زاهدة
انتهت العاصفة الثلجية 'هدى'، وخلفت وراء بريق ثوبها الأبيض صورا وحكايا تتداول بين الناس. فالمنخفض الجوي الذي حل ضيفا على البلاد منذ يوم الأربعاء قد انحسر، مخلفاً دروساً وعبرا لمنخفضات لاحقة.
ملامح الحياة عادت من جديد إلى شوارع مدينة الخليل بعد انتهاء التحذيرات بعدم السياقة والتنقل في فترات الصباح والمساء خوفاً من حوادث السير المتوقعة، المتاجر فتحت أبوابها رغم أن الأسواق بدت خالية من المشترين.
البلدة القديمة في الخليل استيقظت اليوم على هول المنخفض، متاجر ومحلات تجارية غرقت بفعل السيول التي غزت شوارع البلدة وأزقتها، ومنازل رشحت أسطحها وجدرانها بالمياه.
يقف أبو عمار أبو عيشه على باب منزله في البلدة القديمة بانتظار سيارة، من أجل نقل ابنته إلى مستشفى الخليل الحكومي، يقول: 'ابنتي تعاني من فشل كلوي منذ الصغر، عند الإعلان عن المنخفض الجوي و التحذيرات الشديدة من خطر المنخفض قلقنا من أن تسوء حالتها، إلا أن سيارات الدفع الرباعي وبالتنسيق مع الدفاع المدني والجهات الصحية لم تتوان عن تقديم المساعدة لنا'.
ويضيف: 'العام الماضي كان المنخفض الجوي تأثيره أقوى من ناحية الدمار الذي حل بالمنشآت التجارية والمنازل السكنية، 'هدى' كانت أكثر لطفاً علينا لكن بردها لم يحتمل، منازلنا القديمة غير مؤهلة لحمايتنا والمواد التي استعملت حديثاً في إعمار المنازل لم تكن بالمستوى الذي يؤهلها لحماية هذه المنازل الأثرية من العواصف الثلجية ومياه الأمطار، رشحت منازلنا، وإلي صار صار'.
الحاج إسماعيل شويكي يملك محلاً تموينياً في البلدة القديمة وبفعل الفيضانات التي غمرت شوارع البلدة القديمة لم يستطع الوصول إلى محله التجاري، اليوم ومنذ ساعات الصباح الأولى يعمل الحاج وبمساعدة جيرانه على تفريغ المياه التي تراكمت داخل محله، بالإضافة إلى تفريغ البضائع التي تلفت بفعل إختلاط مياه المطر بمياه الصرف الصحي.
'عملت جميع الإحتياطات التي وجب علي اتخاذها، رفعت البضاعة حوالي متر عن سطح الأرض بواسطة (مشاتيح) الخشب، وقمت بوضع أكياس النايلون حول البضاعة ولكن للأسف كل احتياطاتي لم تُجدِ نفعا، المياه وصلت إلى ارتفاع متر كامل، على الله العوض' قال الحاج شويكي.
يقف أبو عمر خرواط بين بضاعته التي تلفت، يضرب كفاً على كف وصوته الجهوري كان قد أسمع كل من عبر الطريق أن 'الشكوى لغير الله مذلة'، ذرفت عيونه الدموع على ما آلت إليه أحوال البلدة القديمة، قال: لم يكن حال البلدة القديمة يوماً كهذه الأيام، إهمال واضح تمثل في عدم وصول المواطنين لها من أجل إعادة إحيائها'.
وأضاف: أبناء الخليل هم فقط من يستطيعوا 'إعادة الروح إليها، لقد تلفت بضاعتنا وتكبدنا خسائر فادحة بفعل دخول المياه إلى محلاتنا ومخازننا، ولكن هذا لا يعني رحيلنا عن البلدة القديمة، وصل العديد من المسؤولين لتفقد أحوال سكان البلدة القديمة، وتوزيع المؤن الغذائية عليهم لكن هذا لا يكفي، نحن بحاجة إلى دعم حقيقي من أجل تعزيز صمود التاجر كالمواطن.
طواقم بلدية الخليل التي تمركزت في نقاط مختلفة في البلدة القديمة، من أجل تقديم الدعم الفني السريع لأهالي البلدة القديمة ما زالت تنتشر في الأزقة القديمة من أجل محاولة السيطرة على المياه التي تصل إلى منطقة 'خزق الفار'، ولمنع وصولها إلى باقي المحلات التجارية من أجل حصر الأضرار، موظفو الصرف الصحي التابعون للبلدية تعددت مهامهم أثناء المنخفض الجوي لتشمل متابعة المناهل وإزالة الفضلات التي تتجمع عليها ومحاولة التخلص من المياه المتجمعة عند بوابة 'خزق الفار'.
المهندس مروان الأخضر رئيس قسم الصرف الصحي في بلدية الخليل، أكد أن مشكلة الخليل في تصريف المياه ليست وليدة اليوم، بل هي مشكلة زاد عمرها عن عشر سنوات وذلك بعد إغلاق الجانب الإسرائيلي طريق المياه ببوابة حديدية واضعاً خلفها مكعبات اسمنتية يزن كل منها 2.5 طن.
وأضاف، 'جهود الموظفين كانت جيدة، وكنا نتعامل مع كل الحالات التي تصلنا دون استثناء، استمرار إغلاق بوابة سوق الخضار القديم يؤدي إلى حدوث أزمة إنسانية دائمة، وتزداد سوءا في الشتاء، محافظة الخليل جغرافياً عبارة عن خط مائل، كل مياه الأمطار التي تسقط على المدينة تصل إلى البلدة القديمة، ورغم مناشداتنا الدولية من أجل عمل قنوات لتصريف المياه إلا أن الجانب الإسرائيلي يحاول دائماً إيجاد أعذار للحيلولة دون تنفيذ شيءٍ من ذلك'.