عايدة.. أول زجّالة فلسطينية
بالعتابا والميجانا وظريف الطول غنّت عايدة أبو فرحة وصدح صوتها بالشعر الفلسطيني قبل أن تُدونه وتكتبه بأشكال مختلفة، فأحيت بذلك كغيرها من الشعراء الشعبيين والزجّالين إرثا مهما في تاريخ الفلسطينيين وطنا وقضية.
ورغم أنها ليست الزجالة الفلسطينية الأولى، فإن هذا النوع من الفن بطبيعته لم تدخل إليه النساء بكثرة، ويظل صعبا على المرأة أن تحتل مكانة فيه، خاصة مع وجود “فحول” هذا اللون من الفن الفلسطيني الذي اعتدنا اقتصاره على الرجال.
وكنتيجة طبيعية، كان لولادة عايدة (أم مرعي) في بيت يعشق أهله هذا الفن بدءا من الأب الزجّال رجب صبيحات والأشقاء الفنانين، وانتهاء بقريتها الجلمة “بلد الزجّالين” كما يُطلق عليها، الدور الأكبر في بروزها.
لكن الدعم الأقوى لعايدة (40 عاما) جاء من بيت الزوجية، والمؤازرة الخاصة من زوجها ووالده الشاعر محمد أبو فرحة الذي نظم قصائد شعرية وأهداها لعايدة في حفل زفافها، وأرفد ذاكرتها أيضا بأشعار كثيرة.
جسر الأمل
وفي صغرها خطت عايدة بأناملها الشعر الشعبي بألوانه الميجانا والعتابا ويا ظريف الطول والقرادي والشروقي والمعنّى وغيرها، ثم ما لبثت أن غنّته لتبدع في التأليف والغناء.
وظلت هذه الموهبة -تقول عايدة للجزيرة نت- حبيسة المنزل، إلا من مشاركات في المدرسة عبر فعاليات وطنية وتراثية أو لقاء فني بين عائلي.
ولوهلة ظنت عائدة أن زواجها التقليدي -كأي فتاة ريفية- سيحول دون إكمالها الحلم، فجاء الواقع مغايرا، إذ حظيت بمحبة واحترام غير مسبوقين لدى الشاعر محمد أبو فرحة والد زوجها الذي أسهم إلى حد كبير في بلورة شخصيتها الفنية.
وأضافت أن “المعاناة الاجتماعية ومواجهة السلطوية الذكورية” لكونها الأنثى الوحيدة بين شعراء القرية وزجاليها، كان لها دورها، لكن وقوف والد زوجها إلى جانبها كان بمثابة “الجسر” الذي عبرت به طريقها نحو الأمل.
ولم يقف الأمر عند حلمها الأول بأن تصبح شاعرة وزجّالة، بل تجاوزته لإكمال الثانوية العامة ومن ثم الالتحاق بالجامعة لتتوج تخرجها ببحث علمي بعنوان “الإيقاع في الزجل الشعبي” ليكون الأول من نوعه الذي ينفرد بطرح الموضوع بهذه الطريقة.
وأردفت عايدة قائلة: إنها أكملت دراستها بعد 16 عاما من الزواج، وتزامنت دراستها مع التحاق أبنائها بالجامعة مما أسهم في دعم مشوارها الفني واتسعت مشاركتها بالفعاليات الوطنية والتراثية.
أذن موسيقية
وشكلت “الأذن الموسيقية” التي تتمتع بها عايدة دفعة إلى الأمام في الإبداع والتميز على زجّالين رجال كثر، كما أضاف حُبها للقراءة والمطالعة وتخصصها بدراسة اللغة العربية “طعما” آخرا في تذوقها للشعر وانتقاء أجمله ومن ثم غنائه.
واستغلت عايدة فنها لإيصال رسائل مجتمعية حول قضايا مهمة كالمرأة والطفل والإعاق،ة إضافة إلى “ظواهر” سلبية كالبطالة وانقطاع الراتب وغيرها من هموم الناس وأزماتهم.
لكن دعم الزوج خالد أبو فرحة كان له أهميته في مشوارها الفني، فلم يتقبل الفكرة وحسب بل مهّد الطريق أمامها بلقاء الشعراء والزجالين ومرافقتها في الميدان، ووفر الدعم اللوجستي بكل أشكاله، حسب قوله للجزيرة نت.
كما وازن خالد بين احتياجات زوجته الفنية ومتطلبات الزواج والأسرة، وهيأ البيئة المحيطة بها لتقبل الفكرة أكثر فأكثر، وقال إنه شجعها أكثر بعد تيقنه من قدرتها على “تذوق الشعر وارتجاله” وبالتالي سطوع نجمها.
من جانبه رأى الشاعر الفلسطيني تميم الأسدي أن عايدة ستشق طريق الأمل أمام كثيرات ممن يراودهن الحلم ذاته.
وقال الأسدي للجزيرة نت إن البيئة التي نشأت فيها سواء من أسرتها أو أسرة زوجها وقريتها ككل، صقلت شخصيتها الفنية بشكل كبير، إضافة إلى تشجيع الزوج المهم، فضلا عن عوامل فنية أبرزها “الارتجال” والإبداع في انتقاء الكلمات وإسقاطها على ألوان الزجل المختلفة بحرفية مطلقة.
يشار إلى أن عايدة ترأست مؤخرا منتدى الأديبات الفلسطينيات في مدينة جنين، وتسعى لإطلاق ديوان شعري خاص تنظُمه بكل أنواع الزجل، وتعمل على جمع روايات شفوية لأنواع الغناء الشعبي الذي كانت تردده النسوة في المناسبات.
الجزيرة نت/ عاطف دغلس