فيديو- سرطانان في شارع الشهداء
دعاء زاهدة
- ألا ترى حالتها؟ إنها لا تقوى على الحركة. لقد أنهت للتو جلسة علاج كيماوي. كيف تطلب مني أن أضعها من بين يدي لتقوم بتفتيشها؟
- لا تجادليني، فلن أغير موقفي. سأخضعها للتفتيش يعني سأخضعها للتفتيش، ضعيها على الأرض وانتظري جانباً.
- وهل أنتظر موقفاً إنسانياً من شخص مثلك؟
'نعم، هذا ما حدث. أسيل ابنتي البالغة من العمر 9 سنوات والمصابة بسرطان الدم؛أجبرت لدى عودتنا من المستشفى عقب خضوعها لجلسة علاج كيماوي لأن أتركها على تلك البوابة اللعينة حتى يقوم جندي بتفتيشها وقد أنهك جسدها الألم'، قالت هيام غريب وهي تكفكف دمعاً يختزل ألماً لم يصب جسدها بل تشارك به صغيرتها.
عائلة أسيل تقطن خلف الحاجز العسكري على بعد أمتار فقط من منطقة باب الزاوية وسط مدينة الخليل.
تعبر وأمها يومياً مشياً على الأقدام بوابة الكترونية وضعت هناك،يفرض جنود الاحتلال الإسرائيلي من حولها نظام تفتيش قاس ومعقد.
في أعلى البرج العسكري المقام هناك، يتحصن جندي يراقب مشهد معاناة أسيل، وغيرها من المشاهد المشابهة التي تتجرعها يومياً مائتان وخمسون عائلة تقطن شارع الشهداء ومنطقة تل الرميدة.
يرى مفيد الشرباتي الذي يسكن في شارع الشهداء مع أسرته في منزل يبعد أمتاراً قليلة عن مجمع الدبويا، الذي يضم ثلاث مستوطنات وهي 'بيت هداسا' و'بيت هشاشا' بالإضافة إلى 'بيت رومانو' الذي كان يعرف قديماً باسم مدرسة أسامة بن المنقذ؛ يرى أن المعاناة لا تنحصر فقط في اعتداءات المستوطنين على أي فلسطيني يستخدم الشارع إما بالضرب أو بإلقاء الحجارة، بل يتجاوز ذلك لعدم السماح للطواقم الطبية بالوصول إلى الحالات المرضية بالسرعة المطلوبة، وويضيف: 'عملية التنسيق لسيارة إسعاف تتطلب وقتاً طويلا قد يتجاوز الساعة في بعض الحالات. التأخير لن يكون يوماً في مصلحة المريض'.
يعبر الحاج خضر أبو اسنينه الحاجز محملاً بحاجيات المنزل، يلتقط أنفاسه وملامح الإرهاق بادية على وجهه ويقول: 'أسكن في منطقة وادي الهرية. قبل منع السيارات من عبور شارع الشهداء كان يلزمنا أقل من خمس دقائق لنكون في منزلنا. اليوم نحتاج لنصف ساعة على الأقل من أجل الوصول. حين كنت طفلاً لم أكن أعرف طريقاً غير شارع الشهداء كنقطة عبور بين شطري المدينة، أما اليوم اضطر وفي حالة إغلاق الحاجز إلى الالتفاف من شوارع بعيدة يلزمني فيها وقت أطول و تكاليف أكثر '.
الطالبة مروة أبو شخدم التي تضطر لاجتياز الحاجز أثناء توجهها إلى المدرسة ولدى عودتها منها؛ التفتت إلى الفجوة بين مفهوم حرية التنقل والحقيقة على الأرض، وأضافت: 'تعلمنا في المدارس أن من حقنا التنقل بحرية و بكرامة. هذا الحاجز يحول دون ذلك ويقيد حركتنا ببوابتين واحدة للدخول والأخرى للخروج، إلا يتنافى هذا مع حقوق الإنسان؟ ألا يمثل اعتداءاً واضحا على حقوقي كإنسانه قبل أن أكون من سكان هذه المنطقة؟'.
هناك، إغلاق مستمر للشارع الذي كان يربط سابقاً شمال مدينة الخليل بجنوبها، كما يعد الشريان الرئيسي الواصل بين شطري المدينة المقسمة بفعل بروتوكول الخليل الموقع بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي عام1995، مما يضطرهم إلى استعمال طرق التفافية، لتصبح فترة الدقائق الخمسة التي تفصلهم عن منازلهم إلى ما يقارب 45 دقيقة.
يبلغ طول شارع الشهداء حوالي 400 متر، وهو مقسم إلى ثلاثة مقاطع، يمتد الأول من شارع السبع إلى بؤرة 'بيت هداسا' الاستيطانية، وعلى جانبيه عدد من المحال التجارية المغلقة بـ'الأكسجين' بقرار إسرائيلي، أما المقطع الثاني فيصلبين 'بيت هداسا'إلى محطة وقود الجعبري، والمقطع الثالث يمتد من محطة الوقود إلى سوق الخضار المركزي القديم.
عقب مجزرة الحرم الإبراهيمي في 25 شباط (فبراير) 1994والتي راح ضحيتها 29 شهيداً،حين فتح المستوطن المتطرف'باروخ جولدشتاين' النار على جموع المصلين في صلاة الفجر بالحرم؛ قامت قوات الاحتلال بإغلاق الشارع أمام حركة عبور المركبات الفلسطينية، في حين سمح للمشاة باستخدامه فقط وسط تعقيدات أمنية، ومع بداية انتفاضة الأقصى عام 2000، أغلق الاحتلال الشارع كلياً واقتصرت الحركة فيه على المستوطنين الذين استولوا على عدد من الأبنية هناك وأقاموا فيها.
ويؤكد المهندس غسان إدريس القائم بأعمال المدير العام للجنة إعمار الخليل أن ملامح التهويد لشارع الشهداء تجاوزت منع المواطنين من ممارسة أبسط شؤون حياتهم، بل طالت تغير أسماء بعض المناطق، وتعليق يافطات باللغتين العبرية والانجليزية بأسمائها الجديدة.
ويضيف: 'شارع الشهداء نفسه تم تغير اسمه إلى شارع الملك داوود من قبل المستوطنين. قمنا بتوثيق الانتهاك و نحاول عن طريق المحكمة العليا الإسرائيلية تقديم اعتراض من أجل نزع اليافطات الجديدة بأسماء الشوارع الإسرائيلية. هي شوارع عربية وإطلاق الأسماء عليها يندرج تحت مهام بلدية الخليل'.
ويشير إدريس إلى جهود تبذلها لجنة الإعمار لصيانة مبانٍ وترميمها خاصة في البلدة القديمة من الخليل، خشية من وضع اليد عليها من قبل المستوطنين الذين بلغ عددهم هناك 400 مستوطن، إضافة إلى 200 طالب يتلقون تعليمهم في البؤرة الاستيطانية 'بيت رومانو '، ويحرسهم ما يزيد عن 1300 جندي.
وبالرغم من صدور قرار عام 2006 عن ما يسمى بالمستشار القانوني لجيش الاحتلال بفتح الشارع باعتبار أنه أغلق بقرار 'خاطيء'؛ لكن الأمر لم يطبق حتى اليوم، وما زال الشارع مغلقًا في وجه الفلسطينيين.