ثلاثة أناشيد بعد الفجر فوق 'الجبل المقدس'
جميل ضبابات
ما هي الصورة التي تتخيلونها عندما تسمعون عن ختان في الأراضي الفلسطينية؟
غالبا، بعد تطور العلوم الطبية، وانكفاء الخاتنين التقليديين، ستكون صورة، عيادة طبية، وطبيب بلباس أبيض، وممرضة ووالدي الطفل، كلهم يلوذون بالصمت حتى انتهاء العملية التي سنها النبي إبراهيم.
في الحقيقة، الختان في منطقة ما من الضفة الغربية، تحديدا فوق جبل جرزيم، حيث تسكن الطائفة السامرية، الأمر مختلف تماما. فكل واحد من أبناء اصغر طائفة دينية في العالم، تعتبر نفسها السلالة الحقيقة لبني إسرائيل القدماء الذين سكنوا مملكة السامرة الشمالية، يشارك في هذا الختان.
الرجال بالأناشيد، والنساء بالزغاريد وتوزيع الحلوى على المدعوين.
عند فجر اليوم تحضرت عائلة الشاب ضياء الكاهن لختن مولودها قبل انتهاء اليوم الثامن من عمره.
قال ضياء الذي حمل الطفل ملفوفا بملاءة بيضاء، إن الختان هو تعبير عن الفرح.
واقفين في صفوف متوازية انشد نحو 100 رجل من أبناء الطائفة الذين قدم بعضهم من حي حولون جنوب تل أبيب ثلاثة أناشيد بوتيرة واحدة يتقدمهم الكاهن الأكبر الذي يتولى زعامة الطائفة الدينية والاجتماعية.
وتقوم فلسفة الختان عند السامرين على قاعدة دينية محددة، اذ يتوجب ختان الطفل مع نهاية الأسبوع الأول من حياته. وأكثر من ذلك، إذا لم يختن يعتبر خارجا على الشريعة الموسوية التي يتبعها السامريون، ويؤمنون بالأسفار الخمسة الأولى من التوراة، بخلاف التوراة اليهودية.
ويبدو الختان الذي يجري بين ساعات الفجر وطلوع الشمس ظاهرة صوتية. تلا السامريون اليوم ثلاثة أناشيد يقولون إنها لم تتغير منذ 1800 سنة عندما وضع أسسها مارقة بن سارد.
واقفا في صف من الرجال المتأهبين لتلاوة النشيد الأول قال عابد الكاهن، وهو واحد من أبناء الطائفة 'نحن نغني الاناشيد ذاتها منذ وضعت أسسها قبل قرون طويلة'.
ويتعين على السامري أن يتلو النشيد دون أن يبدي نشازا. فالتعليم الديني الذي تقوم عليه حياة أبناء الطائفة يلقن للأطفال مع حليب الرضاعة.
ويختن الطفل في قاعة عامة، يؤمها الرجال والنساء والأطفال قبل وصول الطفل المعد للختان. ودائما ما يختن أطفال السامريين من قبل احد الخاتنين التقليديين في نابلس.
ويختن الطفل في نهاية النشيد الثالث. والنشيد الثالث هو واحد من الأماني الكثيرة الذي يرددها المصلون أثناء صلاة الختان، يسبقه نشيدان، الأول هو قطاف التوراة والذي تقرأ فيه سور متفرقة من التوراة، والثاني أمنية للاب والام. قال والد الطفل الذي ظهر يتحرك بين ردهة جانبية وضع فيه الطفل المختون وبين قاعة الصلاة 'هذا أفضل أيام الحياة'. وتنفرج أسارير الشاب كلما تقدم احد لتهنئته من المدعوين.
وحمل الطفل من قبل والدته ولم يلمسه احد غير النساء اللواتي في فترة الحيض أو الدورة الشهرية، إذ تحرم التوراة لمس الطفل من غيرهن قبل مرور 41 يوما.
وتقوم النصوص الدينية التي تحددها التوراة السامرية مقام الدستور الاجتماعي لأبناء هذه الطائفة. ويخضع السامريون الذين لا يتجاوز عددهم 780 في نابلس وجنوب تل ابيب لتعاليم التوراة المتعلقة بالطهارة خضوعا تاما.
متوسطا صفا من الرجال يمثلون الكهنوت الديني الذي يتولى زمام تحديد الطقوس الدينية يقول الكاهن الأكبر عبد الله واصف 'لا يمكن التساهل في أمور الختان. اليوم الثامن هو الحد الأقصى لبقاء المولود الجديد خارج شريعتنا'.
والى جانبه يتولى كاهن آخر يدعى فضل الكاهن امامة المنشدين وهو أيضا جد الطفل من جهة أمه... بصوت جهوري يقود فضل الصلوات ويرد عليه المنشدون المتحلقون حول مائدة من أصناف مختلفة من الطعام أعدتها نساء الطائفة.
وقال احد الرجال الذي قدم مع ساعات الفجر من حولون، 'أبو الفضل مايسترو المنشدين(...) له صوت عميق وجهوري'.
في الموروث الديني السامري الذي يتعلق بالختان يدخل إلى أناشيد الفرح اسم حاكم روماني لنابلس، حكم المدينة واضطهد سكانها. لكن السامريين يقولون إنهم يجلون ذلك الحاكم .
فقد سردت على لسان السنين البعيدة قصة هنا يرويها حسني: أن حارسا رومانيا يدعى جرمون كان ساعد شعبهم قبل آلاف السنين على ختان أحد الأطفال في الوقت المحدد قبل انقضاء الأيام السبعة رغم حظر دولته على السامريين ممارسة عقائدهم.
لذلك كافأه الكاهن الأكبر بذكر اسمه في الصلوات ما دامت تقام.
في الصلوات المغناة والتي لا يرافقها أي آلة عزف، يعتمد السامريون على نغمات حلقية. يكفي تغيير وتيرة الانشاد لتظهر نغمات متصاعدة ترتل بعض سور التوراة. عندما كانت تشتد نبرة المنشدين، كان رجل من بينهم يلجأ إلى طرق كفه بكفه الاخر، فيما ظهر آخر يطرق بقطعة الحلوى فوق عبوة العصير التي يحملها. وليس أي ثمة رابط ظهر بين الأناشيد وبين زغاريد النساء في الغرفة المجاورة، لكنها نشيد الفرح الذي تلي بعد نشيد التوراة كان أكثر الأناشيد المغناة ضجيجا.
قال خضر الكاهن الذي ظهر صوته أعلى من أصوات الرجال 'ننشد الأناشيد منذ قديم الزمان. ربما هذه الأيام اختلفت اللهجات قليلا'، لكن في غرفة النشيد يظهر مزيجا من ثلاثة لغات: العبرية القديمة، ولغة الأناشيد، والعبرية الحديثة لغة التواصل بين أبناء الطائفة القادمين من حولون، والعربية اللغة العام التي يتواصل بها أبناء الجبل.