الخوف الكامن في قاع العالم
بسام أبو الرب
رويدا .. رويدا.. تنحدر المركبة من جبال نابلس الجنوبية التي مازال الثلج يتناثر على قممها، صوب الأغوار، حيث مشهد قطعان الأغنام يغزو المراعي، ومشاهد الربيع وأزهاره، وهدوء الحياة التي يعيشها المواطنون، من البداوة والزراعة.
مشهد الهدوء النسبي الذي يعيشه سكان الأغوار، أصبح يعتريه بعض من الخوف خاصة في قرية فصايل التي يعتمد سكانها على الزراعة وتربية المواشي بالقرب من قطعة أرض تلفها الأسلاك الشائكة، وتعتبر قنبلة موقوتة ربما تنفجر بأية لحظة بوجود المئات من التماسيح التي تعتبر من أكثر الحيوانات خطورة، خاصة عقب وقوع عدة حوادث بسببها قبل سنوات.
صحيفة 'معاريف' الإسرائيلية، نشرت خبراً، مطلع العام الحالي، مفاده أنه قبل أعوام قليلة تم افتتاح حديقة للتماسيح في غور الأردن في الجانب الفلسطيني، وبدأت المزرعة بـ 90 تمساحا، وبعد التزاوج وصل عدد التماسيح الحالي إلى ألف تمساح كبير وخطير، علما بأن كل زوج ينجب 35 تمساحا وهذا ما يشكل خطرا كبيرا على المواطنين هناك، علماً أنه وقعت سابقاً حادثة هروب لـ 70 تمساحاً مما أدى إلى بذل الجهود لمطاردتها بسبب ما شكلته من خطر كبير على حياة الناس.
وحسب الصحيفة أن رئيس مجلس مستوطنات غور الأردن 'الحيني ميواش' حاول نقل الحديقة من غور الأردن خلال الشهور الماضية، ولكنه لم يجد أحد يرغب بوجود حديقة تماسيح لديه، ولم يجد أي جهة ترغب بهذه الحديقة.
شهود عيان في المنطقة، أفادوا لـ'وفا'، بأن حديقة التماسيح يوجد فيها أكثر من 1000 تمساح غالبيتها من الصغار، وهي مغلقة منذ ثماني سنوات، عقب خلافات بين المستأجر ومجلس بلدي المستوطنات في المنطقة، لعدم وجود تأمين على الحديقة.
وذكر الشهود أنه بالفعل جرى هروب عدد من التماسيح خاصة الصغار، قبل سنوات وتم السيطرة عليها وإرجاعها، وموت أربعة منها، وان بعضها وصل لمنطقة تبعد أربعة كيلو مترات بحثا عن الماء، والأجواء الرطبة.
وقال الشهود إن الحديقة كانت تستغل كمعلم سياحي، وكان يستغل منها جلود التماسيح.
الى ذلك، يتخوف أهالي المناطق المحيطة بالأغوار، من احتمالية هروب التماسيح مرة أخرى، واستهداف رعاة الأغنام وبيوت المواطنين، كما ذكر يوسف ديرية عضو لجنة مقاومة الاستيطان في عقربا.
وقال ديرية إنه عقب نشر الأخبار عن طريق وسائل إعلام عبرية، أصبح هناك خوف وهلع من هروب التماسيح وتعرضها للأهالي خاصة رعاة الأغنام والمواطنين البدو في الأغوار.
وأوضح أن الأراضي المقامة عليها الحديقة هي تابعة لعقربا وتم مصادرتها على أنها لأغراض عسكرية، وتم تحويلها لمناطق سياحية، مؤكدا انه لا يوجد أية تدابير للتعامل مع هذه الحيوانات وإنها تشكل خطرا كامنا يمكن أن ينفجر بأية لحظة.
مدير دائرة التنوع الحيوي في سلطة جودة البيئة محمد محاسنة، تحدث عن حياة تمساح النيل الذي يعتبر دخيل على الأراضي الفلسطينية ويعتبر ثاني أخطر وأشرس تمساح في العالم.
وقال أن تمساح النيل يتميز بقدرته على العيش في أنواع مختلفة من البيئات المائية العذبة مثل البحيرات والأنهار والمياه المالحة، ويتغذى على مجموعة متنوعة من الفرائس. الأسماك والزواحف والطيور والثدييات.
وأوضح محاسنة أن التمساح حيوان قادر على التفكير بسرعة وبذكاء ويتربص بالفرائس ويمكنه أن ينتظ لساعات، وأيام وحتى أسابيع ليتحين اللحظة المناسبة للهجوم على الفريسة وجرها إلى الماء، هو واحد من أنواع التماسيح الأكثر خطورة وهو مسؤول عن مئات الوفيات من البشر كل عام. وهو نوع شائع من التماسيح وغير معرض لخطر الانقراض.
وأشار محاسنة إلى أن تمساح النيل يستطيع العيش خارج المياه لأيام معدودة، وله قدرة على التهام أكبر قدر من الفرائس، موضحا متوسط عمر تمساح النيل 45 إلى 50 عاما، ويمكن أن يصل إلى 80 عاما إذا كان متواجدا في حديقة.
بدوره، أكد مدير عام الإدارة العامة للمصادر الطبيعة في سلطة جودة البيئة الدكتور عيسى موسى، لـ'وفا' إن التماسيح الموجودة داخل الحديقة في منطقة فصايل، هي من فئة تماسيح النيل وهي دخيلة على المناخ والطبيعة بفلسطين، وهي أصلا مخالفة للاتفاقيات الدولية، وتم إدخالها من قبل الإسرائيليين بهدف السياحة والتجارة.
وأشار إلى أن من بين الاتفاقيات الدولية التي وقع عليها الرئيس محمود عباس، هي اتفاقية التنوع الحيوي معاهدة دولية ملزمة قانونيا وتساهم في حفظ التنوع البيولوجي؛ والاستخدام المستدام للتنوع البيولوجي وخاصة في الأراضي الفلسطينية، والتي أيضا من شأنها مكافحة الأنواع الغريبة 'الغازية'.
وقال موسى إنه 'عقب دخول الاتفاقية حيز التنفيذ مطلع نيسان، سنقوم بطرح الموضوع وضمن بنود الاتفاقية؛ من أجل الحد من مخاطر هذه التماسيح الدخيلة التي تشكل خطرا على الأنواع الأصيلة الموجودة في البلد'.
وتشكل حديقة التماسيح الإسرائيلية اليوم خطراً حقيقياً على المنطقة بأكملها بما فيها الجانب الأردني من الغور، فالتماسيح عندما تهرب من حديقتها لا تعرف حدود.