لحساب من إشعال فتيل هذه الفتنة
استبشر الشعب الفلسطيني في كافة اماكن تواجده بتشكيل القائمة العربية المشتركة لخوض انتخابات الكنيست الـ 26، واعتبروا هذه الخطوة الوحدوية ايذانا ببدء مرحلة جديدة لتوحيد الصف والموقف الوطني الفلسطيني بالداخل بصرف النظر عن الانتماءات والخلفيات الفكرية والسياسية لمكونات ومركبات القوى المشاركة في القائمة، وان كنا نأمل ان تتسع وتشمل كل مكونات الطيف السياسي والمجتمعي لجماهير شعبنا بالداخل الذي لم يمثل بها.
اما وقد تم الأمر بهذه الصيغة التي تم التوافق عليها بين الأغلبية العظمى بجهود مشكورة من لجنة الوفاق الوطني، فلم يكن بوسعنا سوى اعلان ترحيبنا وسعادتنا بهذا الانجاز الوطني الذي كسر دائرة الانقسام التي عانى ولا يزال يعاني منها شعبنا الفلسطيني حتى اللحظة الراهنة، ويسعى جاهدا للخروج منها.
وقد تبدو هذه الكلمة الترحيبية بالقائمة العربية المشتركة متأخرة بعض الشيء، ونحن لم يعد يفصلنا عن يوم التصويت سوى أيام قليلة، الا اننا نجد أنفسنا ومن موقع المسؤولية الوطنية العامة والمشتركة، ان نقول كلمتنا التي لا نملك سواها، تجاه شعبنا الذي تشبث بأرضه، واعطى معنى كبيرا لهويته الوطنية خلال العقود الستة الماضية، وواظب على رفع شعار السلام والمساواة، المساواة في الحقوق السياسية والاقتصادية والاجتماعية للاقلية الفلسطينية الصامدة على ارضها، والسلام للبقية الباقية على ارض فلسطين التاريخية بتقرير المصير والحرية والاستقلال وانهاء الاحتلال واقامة الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس، ولا نبالغ في القول ان الشعب الفلسطيني في كل مكان وهو ينظر لهذه القائمة وينتطر النتائج التي سوف تحصدها، فإنما يتطلع لأن تكسر بحصولها على أكبر قدر ممكن من المقاعد صعود الفاشية الصهيونية بطابعها ومضمونها الجديد، وبأساليبها العنصرية التي فاقت نظام الابارتهايد المقبور في جنوب افريقيا، وتضع اللبنات الأساسية على طريق تحقيق المساواة للأقلية الفلسطينية بالداخل، وتصويب مسار عملية السلام التي انحرفت عن مسارها، ووصلت لطريق مسدود بفعل سياسات وممارسات اليمين الصهيوني القومي والديني المتطرف.
وان يخرج البعض في اللحظات الأخيرة وليشكك بهذا الطرف الوطني او ذاك، وليشعل فتيل الفتنة بين مكونات ومركبات القائمة باسم الدين تارة أو باسم الأخلاق تارة اخرى، وليحرض على القائمة المشتركة ورموزها، فأمر لا يمكن وصفه سوى بالعمل اللااخلاقي، خصوصا اذا لم يكن غائبا عن الأذهان الأسباب الحقيقة وراء افتعال هذه الفتنة وبهذا التوقيت بالذات بعد اصراره على تمرير ما يريده والا الطوفان من بعدي، والذي لا يخلو ايضا من شبهة اخرى أشد خطورة وبؤسا وهي اما دعوة الجماهير العربية الى الاستنكاف عن المشاركة وبذلك تنخفض نسبة التصويت والمشاركة التي هي هدف هذه الحملة، واما البديل بالتصويت للأحزاب الصيونية الأخرى التي تتنافس للحصول على ما امكن من حصة من خزان الأصوات العربية.
لكن أيا كانت النوايا والأهداف التي تقف وراء هذه الدعوات وبصرف النظر عن اسبابها، فإن الجماهير العربية في الداخل تدرك بحسها السياسي والوطني العالي وبانتمائها لشعبها وقضيتها، وادراكها لأبعاد المعركة التي تخوضها الآن، بان هذه الدعوات لن تؤثر على توجهاتها ولن تثنيها عن تحقيق آمالها وطموحاتها، خاصة انها وفي هذه المرحلة بالذات تتحمل عبئا ومسؤولية كبيرة، وهي حماية حقوق الشعب الفلسطيني ليس فقط بالضفة والقدس، والقطاع والشتات، بتقرير مصيره وعودته، وانما بمصير العملية السياسية والأمن والسلام لشعبنا الذي بات مهددا أكثر من السابق من القوى العنصرية والفاشية الجديدة التي انقلبت على عملية السلام ومرجعياتها وفي الجوهر منها حل الدولتين.
د. أحمد مجدلاني - عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية