لذة الحرية ووجع الفراق في آخر ليلة بالسجن
أسماء محسن
لهي دمعات ساخنة محرقة سيطرت على الاجواء هناك خلف القضبان، فرغم الأمل الذي أصبح حقيقة والحلم الذي صار واقع فإن الأمر لم يكن بالهين، إنها الليلة الأخيرة وغداً سيستنشقون الحرية، منهم من سيعود إلى أحضان ذويه وآخر بين أحضان أبناء شعبه في غزة، وثالث في أحضان أبناء الشعوب العربية الشقيقة.
لقد اشتد العناق وتساقطت الدموع بين الاحبة والإخوة خلف الأسلاك لأنهم سيتفرقون، وستبقى ذكريات سنين طويلة برائحة الاحرار العائدين، نور تضيء عتمة السجن على الاحرار الباقيين الصامدين، فمنهم من سيخرج إلى العالم الكبير والباقي سيبقى في ذلك العالم الصغير الذي أصبحت سمائه هي الأمل والقدر المكتوب، فكم هي أجواء صعبة قد عجز الأسرى المحررين عن التعبير عنها والتي أثرت وبشكل مؤلم على قلوبهم حيث سيخرجون وزملائهم باقون ولكن هذا هو الواقع.
الجرح بقي فائض في القلوب حيث سيغادرون ويتركون الأحباب في السجن ليس بإرادتهم، والأمل كان غالب على قلوب الاحباب فرحون بإنتصار الإرادة ومتألمون من وجع الفراق، لكنهم يؤمنون أن ناره سيطفئها الزمن، فكان أمراً مفروضاً على الجميع وهذا قدر الله لكل منهم، ولا شك أن طعم الحرية لذيذاً لمن سيتنفس هواء الحرية، بينما الإيمان يمتص آلام من لن تكتب له الحرية.
كانت أجواء مختلطة بالفرح والألم فمزجتها ملامح الابتسامات المبللة بدموع الفراق، فقد آن الموعد وأصبحت تلك الساعات الذكرى الأخيرة التي نقشها السجن في عقولهم فخرج الاحبة وعادوا إلى تراب بلداتهم لتكتمل فرحة ذويهم ولترفع الرايات ويبدأ العرس الوطني في أنحاء فلسطين.
الجميع يؤمن بأن جروح اليوم سيطفئها الزمن طالما النهج واحد والإصرار والعزيمة بقي المنغص في حلق السجان، فخلف القضبان بقي أسود صامدون لا يؤمنون إلا بإرادة الله، ولكن الصفقة زادت من أملهم في عالمهم الصغير.
أما الأهالي فلهم قصة صمود اخرى حيث وجدنا أهالي من لن تتضمنهم الصفقة يهللون ويزغردون بين الجماهير داخل العرس الوطني تراهم وكأنهم سيستقبلون أبنائهم فلذات أكبادهم، ولكنهم في الحقيقة فرحين بأسرى الصفقة مؤكدين أن كل الأسرى أبنائهم، فيما أهالي المحررين يقولون:" لن تروق دماؤنا إلا وقد تحرر الأسرى من كافة السجون"، فهذا هو الشعب الفلسطيني وتلك هي الروح الشعبية بين أبنائه.
عاد الأحرار المدرجة أسمائهم في المرحلة الأولى من الصفقة، وبقيت ذكريات السجن والأحباب في الأسر خيال المحررين في كل طريق، ولا يزال الانتظار لمن ستتضمنهم المرحلة الثانية المقرر تنفيذها بعد شهر لتبدأ حلقة جديدة من الآم الوداع بين زملاء الأسر وفرحة اللقاء بالأهل وليبدأ عرس جديد في أرض فلسطين الحبيبة.