الهروبُ إلى المَوْتِ - عطا الله شاهين
لمْ يكنْ يعلم ذلك الطّفل بأنّه سيموتُ في عُرضِ البحرِ، ولو كانَ يعلمُ بمصيره لما وافقَ على الإبحارِ مع والديه ، مع أنَه كانَ يتوقّعُ موْته ، لكنْ ليس في بحرٍ مُتلاطم الأمواج .. لقدْ هربَ ذلك الطّفل مِنْ موْته هنا ، ولكنّ الهلاكَ كانَ ينتظره وهو على بُعدِ أميالٍ مِنْ أوروبا ، التي لطالما حلما بها والديه ، والهاربان مِنْ قسوةِ الحياة في بلدٍ ما زالَ مُحاصراً.. أرادَ والدا الطّفلَ أنْ يعيشا في أمنٍ واستقرارٍ لكيْ ينعما بحياةٍ عادية .. وحينما تنظرُ لعينيّ الطّفلِ ترى الخوفَ فيهما واقع .. فالطّفل حاولَ الهروبَ مِنَ المَوْتِ ، لكنه أخذه إلى قاعِ بحرٍ عظيم .. فلمْ يكنْ يعلمُ بأنّه سيموتُ في بحرٍ لا يبعدُ عن حُلمه مسافة طويلة في بلد الاستقرار .. فالطّفلُ هربَ والمَوْتُ تلقّفه مِنْ جراءِ طمعِ الآخرين الذين يصطادون النّاسَ المساكين والهاربين من المَوْتِ ويتمُّ استغلالهم بشكلٍ قاتلٍ لا لشيء ، فقط لملء جُيوبهم بحفنةِ دولارات .. أنْ يهربَ الطّفلُ مِنْ موْتٍ إلى موْتٍ آخرٍ فهذا قدره ، ولكنْ إلى متى سيبقى هؤلاء القراصنة يقتلون أطفالنا في بحر يصطاد المساكين بسببِ قواربٍ مُتهالكة لا تصلحُ للمخرِ في بحرٍ عظيمٍ يغرقُ فيه آلاف الهاربين مِنَ المَوْتِ .