اللّعب بين الركام
بسام أبو الرّب
على أطراف منزلها ومسكنها المدمر تحاول المواطنة سماهر بشارات أن تلملم أحجاره المتناثرة هنا وهناك، علها تساعد طفلها أحمد ابن الثمانية أشهر على الجلوس دون إصابته بأذى، على الأرض الرطبة التي اختلطت فيها أوجاع الحياة وجمال الربيع مع عنجهية المحتل في تدمير مساكنهم في خربة مكحول شرق محافظة طوباس.
تحاول بشارات العثور على بعض الأواني المتناثرة في المكان، لتقربها من نجلها ليلعب بها بصمت، ويبدّد صوت الدمار الذي خلّفه الاحتلال، في أرض غيرت ملامحها أنياب جرافاته، في الوقت الذي يدوي فيه نباح الكلاب في المكان الذي قلّبت به المساكن ودمرت، وذابت الصفائح والتراب والفراش في بعضها.
ومن بين الركام تعود المواطنة بشارات ثانية لتتفقد طفلها، ثم تكمل عملية البحث على ما بقي من خيرات أغنامها، وآخر ما تركه الدجاج من بيض، الذي ربما وضعه بعجلة، من هول الموقف قرب صخرة ما.
مشهد الطفل يؤكد استمرار الاحتلال انتهاك القوانين الدولية، خاصة المادة (38) فقرة (4) من اتفاقية حقوق الطفل، التي نصت على أن: 'تتخذ الدول الأطراف، وفقا لالتزاماتها بمقتضى القانون الإنساني الدولي بحماية السكان المدنيين في المنازعات المسلحة، جميع التدابير الممكنة عمليا لكي تضمن حماية ورعاية الأطفال المتأثرين بنزاع مسلح'.
في الجهة الأخرى، يحاول الرجال من عائلة بشارات جاهدين لملمة ما تبقي من مخلفات الهدم، لبناء مسكن آخر في المنطقة، لإيوائهم قبل حلول الظلام، واشتداد موجة البرد، وذلك بمساعدة جيرانهم في المنطقة، ومن هبوا للمساعدة من متضامنين أجانب وأهالي.
يقف المواطن برهان بشارات على ركام مسكن العائلة، ويقول: 'دون سابق إنذار قاموا باقتحام المنطقة وهدموا المساكن الأربعة، رغم أن هناك قضية في المحاكم الإسرائيلية، حول هذه المساكن على أراضي يوجد فيها طابو وأوراق ملكية'.
ويضيف 'وصل الحقد بهم لقلب المسكن رأسا على عقب، وإمعان الجرافات في ردم ما تبقى من الركام وقبره تحت الأرض، حسب توجيهات الضابط الذي تواجد وأشرف على عملية الهدم'.
ويؤكد بشارات أنها ليست المرة الأولى التي تستهدف فيها جرافات الاحتلال منازل المواطنين في الخربة، وإجبار سكانها على إخلاء أماكن سكناهم المصنوعة من الخيم والبركسات، تحت حجج واهية، تهدف بالأصل إلى تهجيرهم من المنطقة.
ويقول بشارات 'الغالبية العظمى من سكان خربة مكحول من الأطفال والنساء وكبار السن أصبحوا مهدّدين بالتشرّد، بعد فقدان أماكن سكناهم'.
يذكر أن جرافات الاحتلال هدمت يوم أمس الأربعاء، هذه المساكن في خربة مكحول، التي تقع بين مجموعة من المستوطنات الإسرائيلية، منها مستوطنتي 'روعي' و'حمدات'، وتتعرض لعدد من الاعتداءات الإسرائيلية، ومهاجمة مواطنيها المواطنين الآمنين، وتدمر منازلهم، وخيامهم، وأثاثهم وكل ما يملكون، وتروع الأطفال والنساء والشيوخ، تحت حجج أمنية واهية، بهدف توسيع رقعة الاستيطان، والاستيلاء على المزيد من أراضي المواطنين.