مُر يتجدد وذكريات تهلّ!
جنين - ألف- عبد الباسط خلف:
فتحت صفقة التبادل التي سبقت فجر الثلاثاء ذاكرة الأسير المحرر شوقي صبيحات، الذي شملته صفقة التبادل عام 1985.
يقول وهو يتابع وسائل الإعلام القادمة من النقب و"عوفر": أعادتني هذه الصور إلى الوراء أكثر من ربع قرن، فقد عشت تجربة مريرة مماثلة، يوم بدأت سلطات السجون تجمعنا في سجن جنيد بنابلس، قبل 16 يوماً من تنفيذها.
ومما يسكن ذاكرته حرب الأعصاب التي شنتها سلطات السجون، حيث كانت تلعب بنفسيات الأسرى، وتحضر بعضهم وتخبرهم بأنهم سيكونون ضمن التبادل، وسرعان ما كانوا يعدلون عن أقوالهم، ويحضروا مجموعات جديدة. فيما خضع الأسرى وقتها لفحص دقيق من لجنة ثلاثية من الأسرى أنفسهم، واللجنة الدولية للصليب الأحمر، وما يُسمى ب" مصلحة السجون".
ويتابع : في اليوم السادس عشر من علمنا بالصفقة وتجميعنا، صرنا ندخل إلى اللجنة، واستمر عرضنا من الصباح وحتى ساعات المساء، وكانوا يتحققون من هوياتنا والأسماء الرباعية وأرقام الهويات وأماكن إقامتنا. وأذكر حتى يومنا هذا الأسرى الذين لا زالوا وراء القضبان منذ لحظة حريتنا كنائل ووائل البرغوثي. ومن كان ينهي المقابلة، يتوجه إلى الباصات، وكان عددها 11. ويومها كان اليوم الأول في شهر رمضان، ووصلت بلدي وأهلي مع غروب الشمس، بعد سنوات من الاعتقال، فيما بقيت بلغة السجان 12 سنة، شطبتها عملية التبادل.
من متابعات صبيحات، الذي يسكن قرية رمانة شمال غرب جنين، فإن الأسير علاء الدين أحمد رضا البازيان، والمعتقل منذ 20 نيسان 1986، كان ضمن الصفقة الأولى، وها هو اليوم يدخل الصفقة الثانية، رغم أنه كفيف البصر، ومحكوم بالسجن المؤبد ويحمل من الأمراض ما يضاعف من معاناته وفي مقدّمها إزالة الطحال والروماتيزم. ورأى الأسير النور في حارة السعدية في البلدة القديمة بالقدس عام 1958،" وحصل على الشهادة التوجيهية وهو في السجن, ورغم فقدانه البصر وبفعل المناشدات، سمحت شرطة السجن بإدخال آلة بريل وذلك كي يتمكن من الدراسة ولكنها صادرتها بعد ذلك. وقضى البازيان 28 عاماً في السجن على ثلاث مراحل. حيث اعتُقِل علاء للمرة الأولى في 20/4/1979وتم إطلاق سراحه في 20/4/1981 لعدم توفر الأدلة ضده، واعتقل في المرة الثانية بتاريخ 4/12/1981 وقد حكمت عليه المحكمة الإسرائيلية بالسجن عشرين عاماً، وأطلق سراحه ضمن عملية تبادل للأسرى معنا عام 1985. وعاد جيش الاحتلال واعتقله في20/6/1986 وحُكِم عليه بالسجن مدى الحياة بتهمة تشكيل وتنظيم مجموعات فدائية تعمل ضد جيش الاحتلال.
يقول صبيحات: الأسير البازيان من وحي الفترة التي قضيناها معا: "كان صاحب شخصيّته قيادية هادئة. وقرأت لاحقاً عن قدراته الكبيرة رغم فقدانه لنعمة البصر، وهذا ما دفع قوات الاحتلال لإبقائه في السجن, وقالوا لعائلته إنّهم يعلمون أنّه باللحظة التي سيخرج فيها ابنهم, سوف يبدأ بالعمل على إعداد مجموعات فدائية والتخطيط لعمليات تستهدف الاحتلال."
يقول: لو كانت الفضائيات والأخبار العاجلة منتشرة خلال التبادل الذي شمل 1150 أسيرا مقابل ثلاثة من جنود الاحتلال، في صفقة أبرمتها الجبهة الشعبية القيادة العامة، بزعامة أحمد جبريل، لتغيرت الكثير من الأوضاع، وعشنا لحظة أكثر تاريخية من إعلام تقليدي، يوم تجرعنا المر والعذاب، وفي لحظات اللعب بأعصابنا من قبل السجان.
ويتابع أهالي جنين منذ أيام أخبار الصفقة، وانطلاق حافلات عديدة نحو رام الله، لاستقبال أبنائهم، الذين سيعانقون الحرية، فيما سينظم أهالي الأسرى الذين لن يصلوا إلى بيوتهم بفعل الإبعاد، احتفالات، رغم الفرحة المنقوصة. يقول المواطن جابر عبد الرحمن لـ(الف): استيقظت عند الفجر، وشاهدت جيراننا ينطلقون لاستقبال ابنتهم هناء الشلبي، وتعتبر عائلتها اليوم عيداً بعد طول معاناة.