شارع النصر.. عماد البلدة القديمة في نابلس
وفا- نجاة البكري
شارع النصر أو شارع "الديكامانوس" قديما، الذي يعود تخطيطه لعام 72 ميلادية، أي في الحقبة الرومانية، يقطع المدينة من شرقها إلى غربها، وهو عماد الشوارع في كل المدينة عبر التاريخ.
مدير عام الآثار في وزارة السياحة عبد الله كلبونة، قال عن الشارع: "تتجلى فيه مختلف النشاطات المعمارية والاجتماعية والاقتصادية والسياسية، التي عرفتها المدينة".
شارع النصر يقع في البلدة القديمة بنابلس، ويمتد من جامع الخضر غربا، وينتهي بالجامع الكبير من جهته الشرقية.
وأضاف كلبونة: "شهد هذا الشارع مختلف الفترات التاريخية انطلاقا من العهد الروماني، إلى البيزنطي، إلى مختلف الفترات الإسلامية المتعاقبة، من العهد الأموي والعباسي والفاطمي، وصولا للعهد الصليبي، ثم الأيوبي، والمملوكي والعثماني التركي، إلى مرحلة الاحتلال البريطاني، ثم الاحتلال الإسرائيلي.
قصر حكّام مدينة نابلس وعدد من قصور العائلات الكبيرة في الشارع، منحه شأنا كبيرا، وحركة اجتماعية تميزه عن باقي مناطق البلدة القديمة، وتطلّ على هذا الشارع مجموعة من المباني التاريخية، منها مساجد الخضر، والبيك، والنصر، والكبير، إلى جانب تسع من الصبانات الخاصة، التي تصنّع الصابون الذي تشتهر به نابلس.
طبيعة النمط المعماري الذي يميز البلدات القديمة في العالم العربي وبحكم أنها وحدة سكنية متكاملة، ساهم في توفير كل مرافق الحياة فيها، ومن بين هذه المرافق الحمامات العامة.
وعلى جانبي الشارع تمتد حوانيت تجارية، توارثها الآباء عن الأجداد، وورثوها لأبنائهم، وتعود في أغلب الأحيان إلى أغنياء المدينة وحكامها.
وقال كلبونة: "إن نابلس شهدت في الفترة المملوكية ازدهارا اقتصاديا، رافقه ازدهار اجتماعي وفكري".
وأشار أيضا إلى أنه في تلك الحقبة، تأسست في شارع النصر مدرستان مملوكيتان، وهما مدرسة العمادية فوق مقام الشيخ بدران، ومدرسة الفخرية في حارة العقبة، وتأسست في العهد العثماني وفوق جامع البيك المُطل مدرسة البيك، فيما شُيّدت عدة دوائر حكومية للدولة العثمانية في سرايا الحكم العثماني عند باب الساحة، وهي 14 دائرة، منها محكمة نابلس الشرقية ودائرة الأوقاف، اللتان تحولتا إلى مخازن.
وأضاف كلبونة أن شارع النصر يضم عددا من المقاهي التاريخية، التي كانت وجهة كل أطياف المجتمع، باعتبارها مكان للسمر، كما أنها كانت عبارة عن مرصد لأخبار البلد السياسية والاجتماعية، كمقهى الشيخ قاسم في باب الساحة، ومقهى شقو. وكان السياسيون والمثقفون من روّاد المقاهي، وقد تحولت إلى منتديات سياسية في عشرينيات القرن الماضي،أي فترة الانتداب البريطاني.
عند بوابة البيك يقف أسعد منى (55 عاما) لبيع خبز الطابون، حيث اعتاد على العمل في هذا المكان منذ الستينيات.
وأشار إلى وجود مسامير ضخمة من بقايا البوابة، فهو شاهد عيان على حركة كل من هبّ ودبّ في تلك الناحية من الشارع، وذهب في حديثه لأيام زمان مستحضرا الاحتفالات بأيام المولد النبوي الشريف، متحسرا على تلك الأيام، ومنتقدا التخلي عن تلك العادة.
وقال: "الاحتلال خلق واقعا مختلفا اندثرت بسببه عدة مظاهر من تراث المدينة، وكل ما يمكن أن يحدثه من حركة تجارية تترافق معه".
وتابع منى: "بات الوضع التجاري سيئا في هذا الشارع، بعد أن كان المحرك لباقي نواحيها"؛ وطالب الجهات المعنية بإعطاء مزيد من الاهتمام لتفعيل القطاع التجاري والصناعي، ليعود الشارع لسابق عهده.
وقال محمد عامر، وهو مدير حمّام: إن كثيرين في نابلس يسعون لتفعيل هذا الشارع، ومحاولة استقطاب الناس للحمام، الذي يعود في الأساس إلى آل طوقان.
وتابع: "بعد أن تم إغلاق الحمام في عامي 1982-1983، قام يوسف الجابي بترميمه وإعادة افتتاحه عام 1993، ورغم ما تعرض له من قصف إسرائيلي في آذار 2004، وإغلاق ما بين 2000 و2009 بحكم ما فرضته قوات الاحتلال من واقع على البلدة القديمة خلال انتفاضة الأقصى، إلا أن الحمام الذي أنشئ في العهد الروماني عام 1225م، إلا أن الحمام أعيد إحياؤه، ويستقبل في هذه الأيام عددا كبيرا من الزبائن، خاصة من فلسطينيي 1948.
وقال معاذ النابلسي (63 عاما) وهو من ورثة صبانة النابلسي في شارع النصر، التي تعود لأكثر من 800 عام، "نحاول الإبقاء على الصبانات التي تعتبر رمزا من رموز نابلس، وأحد أعمدة هذا الشارع".
وتابع: "لا نرغب أن تندثر صناعة الصابون، كما اندثرت بقية الصناعات، كصناعة البُسط، ودقّ النحاس، وصياغة الفضّة، والزجاجيات، وتبييض النحاس، وصناعة الفخار، التي كانت تشكل المشهد المتكامل في هذا الشارع الذي تناغمت فيه أصوات البائعين وروائح صناعاتهم."
أما العطّار راشد العبوة (67 عاما) الذي أخذ الصنعة أبا عن جد، فاستحضر من الذكريات ما رسم الابتسامة على محياه: "كان يعجبني في هذا الشارع وأنا طفل، مرور شخصيات السرايا والمتصرفية أي المقاطعة. كان أمرا يضفي هيبة على الشارع".
وأضاف: "سيارات تلك الفترة كانت الجِمال، كنت اندهش لقدرة الجمل على حمل برميلين من الزيت". وقال العبوة: "امتزاج روائح الكنافة والصابون والسمن، كانت نكهة شارع النصر الذي اعتدت استنشاقها".
وتحسّر العبوة على تلك الأيام: "كل ما كان، بات من الماضي، حتى أن أغلب العائلات النابلسية التي كانت تقيم في هذا الشارع أغلقت بيوتها، وبقي منها آل طوقان، وآل عبد الهادي، والباقي، خاصة بعد انتفاضة الأقصى وما سجلته من قسوة المحتل."
وقال مازن سبع العيش (52 عاما) وهو تاجر أدوات منزلية، كوالده وعدد من إخوته وكلهم أصحاب محال في هذا القطاع بشارع النصر: "تراجعت حركة السوق التجارية خلال انتفاضة الأقصى، فحين تركزت المقاومة في البلدة القديمة باعتبارها درعا آمنا وانقض عليها قوات الاحتلال، وامتد الحصار عليها لأعوام، ماتت الحركة التجارية وخلقت بديلا خارج السوق وبالتحديد في القرى التي كان تعتبر البلدة القديمة وجهتها الرئيسية، وفرضت واقعا مغايرا فرضه نظام عزل كل التجمعات السكانية التي أوجدت محلات تجارية بكافة أشكالها، فأصبح لديهم نوع من الاكتفاء الذاتي، أبعدهم عن نابلس.
وأضاف سبع العيش: "هذا الوضع السيئ جعلني أقرر إغلاق محلي ومغادرته لخارج أسوار البلدة القديمة، لعل وعسى!!"
واتفق أسعد مُنى وسبع العيش مع بقية تجار الشارع في أن ساحة الصبانات المهدومة تحولت إلى مكرهة صحية، وطالبوا بتحويلها إلى موقع بسطات منظم تستقطب المشترين، وتمنع البلاء عن سكان الناحية الغربية من الشارع. إلا أن رئيس بلدية نابلس عدلي يعيش، الذي لم يختلف معهم في الرأي، واجه مشكلة مع أصحاب الأرض الذين اعترضوا على هذا الاقتراح.
وحول ما إذا نال شارع النصر عناية كافية كغيره من نواحي البلدة القديمة، قال رئيس البلدية إن عملية الترميم مستمرة، وتأتي ضمن خطط واضحة تدعمها دول مانحة، علما أنه تم تبليط هذا الشارع بكلفة 80 ألف دينار، فيما تم ترميم جامع البيك.
وأضاف: هناك خطة تهدف إلى ترميم عدد من وحدات البناء، تكون الأولوية فيه للوحدات السكنية، وسيتم تنفيذها برعاية مؤسسات التعاون للصندوق العربي، ويأتي ذلك ضمن دراسة تشمل قاعدة بيانات حول احتياجات البلدة القديمة ومن ضمنها شارع النصر، وتضم 39 صبانة.