'الإلهة نيوبي' كسيرة القلب.. تثير جدلا واسعا في غزة
سامي أبو سالم
أثارت لوحة فنية لفنان الغرافيتي البريطاني الشهير باسم 'بانكسي' ضجة في غزة بعد أن احتج نشطاء على بيعها لأحد 'الفنانين' .
خلال العدوان الأخير على غزة (تموز- آب 2014) دمرت طائرات الاحتلال الاسرائيلي منزل المواطن ربيع دردونة (33 عاما)، سوته بالأرض عدا باب البيت بقي 'واقفا' بإطاره الإسمنتي.
ودمر الاحتلال الاسرائيلي عشرات آلاف المنازل والبنية التحتية خلال العدوان الأخير الذي استمر واحدا وخمسين يوما استشهد فيها زهاء 2200 فلسطيني جلهم من المدنيين وفقا للمصادر الطبية.
بعد زهاء شهر من انتهاء العدوان أفاق ربيع دردونة من النوم فوجد رسما بالأبيض والأسود على ما تبقى من بيته (الباب)، كما قال لوكالة وفا.
وأشار أن الصحفيين وصلوا البيت المدمر يلتقطون صوراً للباب ثم 'خدعني' أحدهم واشتراه.
وأضاف أنه لا يعرف بانكسي ولا يعرف أهمية رسوماته بل بعض الصحفيين نبهوه لذلك. فبعد أن تم تداول الموضوع في الصحافة جاء 'بلال خالد' واشترى الباب.
'بلال استغل الوضع المادي وخدعنا، لقد مارس التضليل لو علمت أنه مهم ما بعته، هذا الباب يحكي عن معاناة الناس، ويجب أن يعود.'
وأضاف دردونة أن بلال خالد لم يوضح له أهمية الباب كقطعة فنية، 'هذا نصب وإختلاس... زعم أنه موفد من وكالة أجنبية ويجمع لوحات بانكسي الستة في غزة وتبين أن كل ذلك غير صحيح.'
وهنا نفى بلال خالد (24 عاما) صحة ما قاله دردونة وأكد أنه كان نزيها وواضحا معه وأن لوحات بانكسي في غزة فقط ثلاث صور وليس ست.
وقال لوفا: 'لو استغفلته لاشتريت الباب كقطعة حديد مهترئة ب 100 شاقل، لكنني أوضحت له أنها لوحة فنية لفنان مشهور لذا طلب أضعاف أضعاف ثمن الباب ثم اتفقنا على 700 شاقل (حوالي 175 دولارا).'
ونفى خالد أنه جاء باسم أي وكالة، 'أنا فنان غرافيتي ومصور فوتوغرافي حر، لم أزعم أنني جئت موفداً عن أحد، لا صحة لكل ما ذُكر.'
وحول الهدف من امتلاك اللوحة قال خالد إن هناك عدة أسباب أولها إنه يفخر بامتلاك لوحة للفنان الذي يحبه (بانكسي)، بجانب الحفاظ عليها.
'لو بقي الباب كما هو سيندثر عند إعادة إعمار البيت ولن يعرف الناس قيمته الفنية، وربما يصدأ وتبهت الألوان بسبب الشمس أو يخربش عليها الأطفال'.
السبب الآخر هو بذل جهود عبر فنانين أجانب وعرب لعرض اللوحة في المتاحف العالمية والعربية.
'اللوحة مستوحاة من الأساطير القديمة، فهي للإلهة نيوبي كسيرة القلب التي فقدت أولادها بسبب اعتزازها وكبريائها...، إنها عميقة جدا،' قال خالد.
وأضاف أنه تواصل مع متاحف ومهتمين بالفنون لعرض اللوحة، 'سأجعل الباب يدور حول العالم لتراه جميع الشعوب ليكون شاهدا على العدوان... هذه وثيقة فنية ستلاقي صداها سيما بمعناها القوي الذي يخاطب الثقافة الغربية.'
باب الحديد (اللوحة) أثار 'زوبعة' على مواقع التواصل الاجتماعي سيما بين الغزيين من الرواد. فقالت الصحفية أسماء الغول إن الصحفي الذي اشترى الباب مارس التضليل على صاحب البيت... 'مارس القانون في قلة الأخلاق.'
وأضافت أن الباب ليس من حق صاحب البيت ليبيعه طالما بقيت عليه هذه اللوحة وليس من حق الصحفي شراء الباب لأنه أصبح 'ملكية عامة'، مطالبة بتسليم المُشتري (لم تذكر اسمه) اللوحة لليونسكو إذا كان فعلا هدفه الحفاظ على اللوحة.
وفي تعليق أشبه بدفاع عن بلال خالد قال الفنان التشكيلي باسل المقوسي في تعليق له إن 'القانون لا يحمي المغفلين' متسائلا ما إذا كانت 'اليونسكو' ستأتي لقص الجدران التي عليها الرسومات بما في ذلك الرسومات على الجدار الفاصل.
وتساءلت 'بيسان شحادة' في تعليق لها على صفحة الفيسبوك عن أحقية المشتري في امتلاك اللوحة التي 'رسمها بانكسي للقضية.'
وقال الناشط على بخيت إن الصحفي الذي اشترى اللوحة مارس 'الاستخفاف بعقل المواطن واستغلال ... الموضوع لجهل صاحب الباب بقيمة اللوحة.'
وفيما يخص قانونية الملكية أكد المحامي غسان القيشاوي على صحة العقد وقانونيته.
'المحامي يصادق على صحة التواقيع بين البائع والمشتري دون تنظيم العقد، وبالتالي العقد قانوني لا جدال فيه،' قال القيشاوي الذي صادق على صحة العقد.
وهنا توافق المحامي مروان البرش مع القيشاوي في سلامة وصحة العقد كما أكد نقل الملكية.
'العقد سليم وانتقلت الملكية للمشتري ولا نقاش في ذلك ولا علاقة للبائع بالقيمة الفنية سيما أن العقد يوضح أن الباب مرسوم عليه وهذا يمنع الجهالة،' قال البرش بعد أن قرأ نسخة عن العقد.
وحول الدافع وراء الاهتمام باللوحة قال خالد إنه فنان غرافيتي (الرسم على الجدران) ومهتم ببانكسي منذ سنوات.
'أنا معجب جدا ببانكسي منذ 4 سنوات بعد أن رأيت رسوماته على الجدار الفاصل [الذي يبنيه الاحتلال الاسرائيلي في الضفة الغربية]، عندما عرفت أنه رسم في غزة توجهت فورا لرؤية لوحاته.'
وأضاف خالد، الذي درس الفنون الجميلة في غزة، أن ما أعجبه في اللوحة هو 'الكادر واللوكيشن' (محتوى الاطار والمكان)، بجانب البعد الثقافي العميق وربطه بما حدث في غزة.
وتساءل عن سبب الاهتمام بموضوع اللوحة علماً أنها رُسمت بعد الحرب مباشرة ولم يلتفت إليها أحد خلال حوالي خمسة أشهر.
ويصر البائع دردونة على أن يعيد المشتري بلال خالد الباب مكانه ليراه الناس فيما يصر المشتري على ملكيته القانونية وحريته في التصرف وأنه لو عاد الباب مكانه لن يراه أحد سوى القلة القليلة.
وحول مصير اللوحة قال خالد: إن أي فائدة تطرأ من وراء اللوحة سيكون صاحب البيت الذي باعها لي مستفيدا من ذلك كالتزام أخلاقي من طرفي. 'وسأستكمل مشروع تأسيس جسم باسم ديوان يهتم بالفنانين المطمورين وتدريبهم وخلق جسور احتكاك بالفنانين العالميين وعرض إبداعهم'.