القس نيروز يبحث عن عالم آخر
بسام أبو الرب
صورة الثعلب المعروف بالمكر والدهاء، والصورة النمطية لعالم الحيوانات الذي اختبأ وراءها مؤلف رواية 'عالم مختلف جدا' الأب إبراهيم نيروز راعي الكنيسة الأسقفية في مدينة نابلس، تغيرت وأصبحت ثائرة ومختلفة جدا عن التقاليد السائدة عنها، والمتعارف عليها.
'عالم مختلف جدا' هي الرواية الأولى للكاتب نيروز، صدرت مؤخرا عن المكتبة الشعبية في 174 صفحة من القطع المتوسط، والتي جاءت على شاكلة ' كليلة ودمنة ' أو 'مزرعة الحيوان' لجورج اورويل، تناولت مواضيع المجتمعات العربية، خاصة مع بدايات ما أطلق عليه 'الربيع العربي'، والاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، ودور رجال الدين ونظرتهم للمجتمع.
إضافة إلى الحديث عن العيش المشترك والانسجام والإيمان بالتعددية، والحديث عن القيم والمبادئ التي لا يمكن تجزئتها، وكيف ختم الكاتب الرواية بنهاية سعيدة يتمناها في نشر المحبة والسعادة والعيش المشترك، بغض النظر عن اختلاف الأجناس، أو لون البشرة، أو العلم، أو الأديان.
ويقول الأب نيروز: إن هذه الرواية هي المحاولة الأولى له، والتي كانت بداية على شكل قصة قصيرة، سردت فيها الوقائع على لسان الحيوانات، خاصة في تناول وطرح قضايا صعبة وشائكة، لحماية نفسي من خلال لسان الحيوانات.
الرواية تناولت عددا من القضايا، منها: الأوضاع التي يمر بها الوطن العربي، ومحاكمة المؤسسة الدينية الذين تمثلهم فئة الغربان في الرواية، وموضوع الحكم، ولماذا هناك ضرورة لوجود رئيس للدولة، وعن التعددية، والانسجام، والعيش المشترك بين مختلف الفئات.
ويضيف 'هناك أصبح خلطا بين رجال الدين والدين نفسه، واتجاه الدين نحو السلطوية، وسيطرة رجال الدين على المجتمع النابع من الحكم الإلهي، بما يشبه عودة العصور الوسطى'. فالرواية تحدثت عن القوة في التنوع والوحدة والتماسك، والعداوة من خلال التعصب لأي كان، وتناولت العيش في وطن يقطنه أجناس مختلفة، وصورة للحب بين هذه الأجناس، إضافة إلى كونها محاكمة للبيئة، والحياة الاجتماعية، والسياسية والديمقراطية.
ويقول في روايته 'طالما نحن عاجزون عن قبول الآخر، ومخاطبته على أساس من التفاعل الإنساني، وطالما نحن مغيبون بفعل التعصب عن بانورامية المشهد، الذي يزهو بألوان الطيف الجميل، فسيبقى المشهد غارقا في سوداويته، وتسوده حالة من الاغتراب، والإحباط، والعجز... نحن أقوياء بتنوعنا.. نحن أشداء بتماسكنا. نحن أشقاء بوحدتنا ..نحن أعداء بتعصبنا'.
وبين أن الرواية تتطرق لموضوع عدم تجزئة القيم والمبادئ، خاصة في تصوير الاحتلال الذي لا يعرف العدل والحق والمساواة، موضحا أن القتل هو قتل، والسرقة هي ذاتها سرقة بغض النظر عن دوافعها.
وتظهر صورة الحيوانات في الرواية على غير الصورة النمطية السائدة عن الحيوانات، خاصة الثعلب، إضافة إلى إعطاء الديك رمزية ناقل الأخبار ودور الصحفي، خاصة خلال مهاجمة وطنه المعروف بالتعدد والتنوع، إضافة إلى دوره في إعطاء الإذن لشروق الشمس، ودور القرد 'الطبيب' الذي يمثل الحيوية في المجتمع، ودور الحمار الذي أصبح فيما بعد يمثل اقتصاد الوطن.
وتحدّث نيروز عن واقعية الذئاب في الرواية، التي تمثل الاحتلال والهمجية وعدم تقبل الآخر، وقوة الشر التي احتلت فلسطين، وقضية إقصاء الغير إن كان الضعيف الذي لا يملك القوة، مؤكدا 'أن القوي لا يملك الحق أبدا بإبادة الضعيف، أو من هو أقل منه قوة، فالقوة والضعف أمر نسبي وليس مطلقا'، كما حصل مع النمل الأبيض، الذي يمثل الحضارة والتطور، في حرب الإبادة ضد النمل الأحمر الذي يمثل التخلف والرجعية، وكيفية عقد المصالحة بينهم، وتقبل كل منهم وجود الآخر على أساس الشراكة.
وبين أن الرواية تطرّقت لدور المرأة ومشاركتها في الحكم كما حدث مع اللبؤة، ومشاركتها في المؤسسة الدينية كما مع أثنى الغراب.
ويختتم نيروز روايته متفائلا 'بنشر السلام والمحبة بطرق غير الذي اعتادت عليها قوى الشر، وهدم كل الجدران وآثار الاحتلال، وانتشار حالة من الهدوء والاستقرار' .