هناك ما يكفي من فراش في فلسطين
جميل ضبابات
عند درجة حرارة منتصف نهار ربيعي دافئ، ليست أجنحة طائر صياد السمك تلمع تحت أشعة شمس الظهيرة العمودية فقط.. إنما أيضا أجنحة الفراشة الرخامية المراوغة وهي في أوج نشاطها.
وهذه الفراشة واحدة من نحو عشرات الأصناف التي يمكن رؤيتها في فلسطين التاريخية خلال فصول السنة الأربعة.
في بلاد تحفل بغطاء نباتي فسيفسائي يمكن إحصاء عدد ليس قليل من الفراش الذي ينشط مع ارتفاع درجة الحرارة خلال النهار. وفي هوة سحيقة من وادي الباذان، وهو واحد من أودية الضفة الغربية الجارية على مدار فصول السنة، يمكن لصائد فراشات أن يحصي عددا من تلك الأصناف التي يعتقد أنها تصل إلى 90 صنفا.
ملوحا بشباك خاصة للصيد أمام فراشة وقعت في مصيدته قال د.وليد الباشا 'هذه أول فراشة. إنها الفراشة البيضاء المرقطة'. وفلسطين واحدة من ممرات الفراش خلال هجرتيه الربيعية والخريفية من أوروبا إلى إفريقيا وبالعكس.
في بلد ينشغل بمشاكله الاقتصادية والأمنية والسياسية الكثيرة غير المستقرة، آخر ما يمكن التفكير به بالنسبة للفلسطيني العادي، كيف يقضي الفراش نهاره، وأين يمكن أن يستقر؟ أما بالنسبة للباشا الذي يدير مركزا لأبحاث الحياة البرية في مدينة جنين شمال الضفة الغربية فإن حياة الفراش هي شغله الشاغل هذه الأيام.
ويمكن أن يتواجد رف فراش في أي مكان من فلسطين التاريخية. من الساحل حتى أقصى انخفاض جغرافي على وجه البسيطة عند سفوح البحر الميت.
قال الباشا انه أجرى خلال العام المنصرم بحثا شمل محافظة واحدة شمال الضفة الغربية لحصر أصناف الفراش فيها. في الضفة الغربية يفضل الفراش الاستقرار في مناطق نفوذ محددة له كما يوضح الباشا.
هنا في منطقة الباذان الواقعة عند بداية الأخدود الشرقي الذي يفضى إلى منطقة الغور، أمكن خلال ساعة إحصاء عدد من أصناف الفراش وهي في حركة نشطة بسبب ارتفاع درجات الحرارة.
ممعنا في جناحي الفراشة المرقطة، قال الباشا انه أحصى صنفا من الفراش تنتمي إلى خمس عائلات في محافظة جنين. غالبا ما يصطاد الباشا الذي يعمل أيضا محاضرا في كلية الطب في جامعة النجاح في نابلس الفراشات عندما يكتشف ظهورها لأول مرة. وغالبا ما يعتمد على أقصى درجات النعومة في التعامل مع أجنحتها الهشة.
وتحفل فلسطين بفراش قد يصل طول جناحية إلى سم في حالة الفراشة الرخامية.
وقال انه سجل في جنين 'الفراشة الرخامية والأدميرال الأحمر وذيل السنونو، وأنواع أخرى من الفراش المهاجر مثل النمرية والسيدة اللابسة'.
وسجل أيضا أصنافا مختلفة قرب مسطحات مائية وسط الضفة الغربية. انه يبدو صائد فراش أكثر منه خبيرا في العلوم الطبية الحيوية التي يدرسها في الجامعة.
لكن حياة الفراش في هذه البلاد، ليست وردية تمام. فباحثون في الحياة البرية طالما أشاروا إلى أن استخدام المبيدات الحشرية في الزراعة أدى إلى تخلخل نظام الحياة البرية.
بالنسبة للباشا هذا أيضا ينطبق على الفراش، لكن الخوف من انقراض أصناف من الفراش ما زال بعيدا. يقول الباشا إن وجود هذا العدد من أصناف الفراش دليل على الصحة النسبية للبيئة.
من أجمل الفراش في فلسطين فراشة حجلة القدس. في وادي الباذان الذي تنبت فيه أصنافا مختلفة من الزهور البرية وتعيش بعض الأحياء المائية في مساربه المائية يمكن للفراش أن يضاعف عدد الألوان التي تحفل فيها الطبيعة.
في شباك ناعمة يستخدمها الباشا لالتقاط الفراش، تظهر ألوان متفاوتة بين الأزرق والأحمر لأجنحة فراش متفاوت الأحجام. وقال الباشا 'اختلاف المنطقة يعني اختلاف لون الفراشة'. يظهر ذكرا فراش في حالة صراع آنية على مناطق النفوذ، لكن نسيم خفيف يجعل من طيرانهما أكثر سرعة.
في العقود الماضية اعتمد خبراء الحياة البرية في فلسطين نسبيا على المراجع الإسرائيلية والأجنبية عند دراسة التنوع الحيوي، لكن مشروعا طازجا لدراسة الحياة البرية بتمويل من الاتحاد الأوروبي جعل من إمكانية الدراسة المحلية قائمة.
وبدأ نحو 13 خبيرا من جمعية الحياة البرية الفلسطينية ومقرها مدينة بيت ساحور بدراسة الحياة البرية من أقصى شمال الضفة الغربية.
وقال عماد الاطرش المدير التنفيذي للجمعية 'بدأنا بمسح مكونات البيئة منذ يومين (..) سيتطلب الأمر خمس سنوات أخرى'.
ومن المفترض أن يعتمد الفريق على دراسات ميدانية، تسجل فيها ظواهر بيئية مختلفة، تتطلب أن يقضى الباحثون أياما طويلة في البراري والجبال والأودية.
وقال الأطرش 'هذا سيمكننا من تسجيل مكونات بيئتنا إلى الأبد، نحن ندرس كل شي، كل شي. العناكب والطيور والحيوانات، وأيضا الفراش'.
ذاته يعمل الباشا، فهو يجمع العثة وهي حشرات ليلية قريبة من الفراش، ويتركها لتفقس داخل عبوة ورقية، وأحيانا يحمل العبوة في صندوق مركبته، رغم أن هناك ما يكفي من العث والفراش في الأرض الفلسطينية.