امرأةٌ بنكهةِ البُرتقالِ الحزين - عطا الله شاهين
امرأةٌ بنكهةِ البُرتقالِ الحزين عطا الله شاهين أنْ تعشقَ اليوم امرأةً بنكهةِ البُرتقالِ الحزين ، فهذا يعني أنّكَ تتذكّر مدينة يافا وبياراتها المزروعة بالبُرتقالِ .. تقفُ على الشّاطئ كُلّ مساءٍ وتحنُّ لرائحةِ البُرتقال الذي غدا حزيناً بعد موته .. فعشقُكَ لامرأةٍ تعبقُ منها رائحة البرتقال تذكّرك بالأيامِ الخوالي والجميلة ، حينما كُنتَ تسهرُ على شاطئِ البحرِ في ليالي الخريف الدّافئة ، وتصغي بشغفٍ لموجِ البحرِ الهائج الذي كانَ يضربُ الشّاطئ بعنفٍ كأنّه يريدُ عناقاً مجنوناً.. وأنتَ تجلسُ بالقُربِ مِنْ بياراتٍ حزينة بكُلِّ حُبٍّ تشمُّ رائحةَ أزهارِ البُرتقال الطّاغية على المكان .. وحين تقتربُ مِنكَ امرأةٌ في ساعةِ الغسقِ وأنتَ تنظرُ إلى البحرِ المُعانق لمدينةٍ يعشقُها مُنذُ الأزل تشعرُ بسكرةٍ مِنْ نكهةٍ تأتي مِنْ شفتيّها لحظة اقترابها وتريدُ أنْ تشمَّها ولكنّها لا تريدُ أنْ تريكَ حُزنها الدّفين.. فهي حزينةٌ لأنّ البُرتقالَ لمْ يعُدْ يزهرُ كما كان فالأشجارُ ماتتْ مع رحيلِ أصحابها الذين هربوا تَحْتَ أزيزِ الرّصاص لحظة وقوع يافا تَحْتَ الاستعمار.. تقفُ أمامكَ حزينةً ولكنّ نكهةَ البرتقال تعبقُ منها وأنتَ تحاولُ أنْ تشمّ رائحة الزّمن الجميل .. فنكهةُ البرتقال ما زالتْ عالقة في امرأةٍ تتذكّرُ أيامَ يافا الجميلة وأنتَ تتحسّرُ على تلك الليالي وقت صمت القمَر حينما كانَ البحرُ يرقُصُ بموجاته على أغاني أُمّ كلثوم وتتذكّرُ صافرة القطار وهو يمرُّ من وسطِ المدينة التي لمْ تعرف النّوم .. فهل ستعود تلك الأيام ويزهر البرتقال كما في زمن ولّى؟ .. فأنْ تبقى هكذا تشمُّ بقايا أزهار البرتقال ، فهذا يعني ستظلُّ في اشتياقٍ دائمٍ لامرأة تذكّركَ ببرتقالِ يافا .. امرأةٌ بقي فيها نكهة البرتقال الحزين .. وأنت تحزنُ على شاطئٍ كانَ وما زالَ حُبّكَ الأبدي..