عريقات يستعرض عناصر إستراتيجية التفاوض ويؤكد: "الجنائية الدولية" ستعلن أخبارًا سارة قريبًا
قال الدكتور صائب عريقات، عضو اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير، رئيس دائرة شؤون المفاوضات، إن الفلسطينيين قد يكونون على موعد مع أنباء سارة خلال الفترة القريبة القادمة تؤكد وجود أساس للمضي في إجراءات المحكمة الجنائية الدولية فيما يتعلق بملفي الاستيطان والسياسة العدوانية الإسرائيلية ما بعد 12 حزيران/يونيو 2014.
وأضاف أنه لن يكون بمقدور أحد وقف المسار الذي بدأ بملاحقة الانتهاكات والجرائم الإسرائيلية بحق الشعب الفلسطيني، منذ انضمام دولة فلسطين إلى "ميثاق روما" المؤسس للمحكمة الجنائية الدولية، وهو أمر يعكس جدية القيادة الفلسطينية بالمضي في إسترتيجية التدويل من جهة، كما يعكس فشل المحاولات الإسرائيلية في إجهاض هذا المسعى، وخاصة في المحكمة الجنائية، بادعاء أن فلسطين ليست دولة من جهة أخرى.
وأكد عريقات أن الحكومة الجديدة في إسرائيل سوف تصعد سياساتها الرامية إلى القضاء على أي فرصة لإقامة دولة فلسطينية مستقلة وعاصمتها القدس، وهي بذلك أغلقت الطريق أمام إمكانية استئناف المفاوضات. وأشار إلى أنه رغم وجود تقييمات متعددة لإستراتيجية التفاوض الفلسطينية منذ توقيع اتفاق أوسلو، إلا أنه لا ينبغي أن نغفل أن هذه الفترة شهدت إعادة فلسطين إلى الخارطة الجغرافية، وتحقيق الإنجاز الأهم المتمثل في البقاء والصمود الفلسطيني على الأرض، وعكس موجة الهجرة السلبية إلى تزايد كبير في العودة إلى أرض الوطن.
وقال إن إسرائيل تريد احتلالا دون كلفة بعدما أفرغت ولاية السلطة وصلاحياتها من أي مضمون حقيقي، وحولتها إلى سلطة دون سلطة، وتسعى إلى إخراج قطاع غزة من الفضاء الفلسطيني، وهو الأمر الذي يضع الفلسطينيين أمام مرحلة إستراتيجية جديدة تتطلب التجديد والتغيير في الفكر والسياسات رغم أن هذه العملية بحاجة إلى دفع ثمن.
ونوه إلى أن كل ذلك لا بد أن ينسجم مع حصول فلسطين على مكانة الدولة بصفة مراقب في الأمم المتحدة، حيث أصبح بإمكان الفلسطينيين الانضمام إلى 523 منظمة دولية ومعاهدة وبروتوكولا، وأن ينطلقوا في بلورة وتنفيذ سياساتهم من حقيقة أنهم يتمتعون بمكانة دولة تحت الاحتلال، وأن يضعوا دول العالم أمام ضرورة الوفاء بالتزاماتها في التعامل مع إسرائيل، بصفتها القوة القائمة بالاحتلال، وفق قواعد القانون الدولي ومواثيق جنيف الأربعة.
وكان عريقات يتحدث أثناء استضافته ضمن البرنامج التدريبي في مجال "إعداد السياسات العامة والتفكير الإستراتيجي"، الذي ينفذه المركز الفلسطيني لأبحاث السياسات والدراسات الإستراتيجية (مسارات) بالتعاون مع مؤسسة "هينريش بول" الألمانية، حيث قدم محاضرة تدريبية في مجال أسس التفكير الإستراتيجي فيما يتعلق بإستراتيجية التفاوض عموما، إضافة إلى تمرينات عملية للمتدربين، قبل أن يفتح المجال للاستفسارات حول تجربة التفاوض الفلسطينية.
وتناول عريقات إستراتيجية التفاوض بالاستناد إلى عناصر التفاوض السبعة في المدرسة الغربية، وتحديدًا ما كتبه روجر فيشر حول المفاوضات، وإلى عناصر التفاوض عند الإمام علي بن أبي طالب، مبينا أن العملية التفاوضية بحاجة إلى إستراتيجية وخطة متقنة تشمل المحطات المتوجب الوصول إليها.
وقال إن عناصر التفاوض عند فيشر تتمثل في: المصالح من خلال فهم الأطراف لمصالحها وأولوياتها بصورة واضحة؛ والخيارات ومدى كفايتها، والعمل على خلق خيارات منفصلة عن عملية صناعة الالتزامات؛ والشرعية وما يصاحبها من استخدام المعايير الخارجية العادلة وكيفية إيجاد المبادئ المقنعة لدى الطرف الآخر، ومن العناصر أيضًا العلاقة بين المفاوضين من مختلف الأطراف، وهل تهتم الأطراف بما فيه الكفاية بطبيعة العلاقات التي تريدها مستقبلًا؛ وطريقة الاتصال ومدى مساهمتها في مساعدة أو عرقلة الأطراف على التعامل بشكل بناء مع الصراع، إضافة إلى الالتزام، وهل تمت صياغة الالتزامات بدقة، وهل يعرف كل طرف ما الذي يريده الطرف الآخر للموافقة عليه؟ أما العنصر السابع والأخير عند فيشر فيتمثل في فهم كل طرف لأفضل بدائله في حال عدم التوصل إلى اتفاق، وهل بالإمكان استخدام النتائج السلبية المترتبة على عدم الاتفاق من أجل تقريب وجهات الأطراف المختلفة؟
كما استند عريقات في عرضه لإستراتيجية التفاوض إلى عناصر التفاوض عند الإمام علي، الذي ارتكز إلى عنصر المصلحة لدى الأفراد والجماعات والدولة وعلاقة الإنسان بنفسه وغيره، وإلى علاقة الإنسان بالله القائمة على العدل بصفته حكمًا من أحكام الشريعة الإسلامية، وإلى عنصر العلاقات من خلال تنظيم علاقة بالمسلم بالمسلم.
ونوه إلى أنه من محددات التفاوض عند الإمام علي أيضًا عنصر البدائل الذي طُبّق في عزل الولاة والتحكيم، وتبرز أهمية هذا العنصر عند إجراء مفاوضات ترافقها متغيرات وتحولات سريعة، إضافة إلى عناصر الاتصال والخيارات والشرعية والالتزام.
وأشار عريقات إلى أن الإمام علي أضاف مجموعة محددات أخرى إلى العملية التفاوضية تتمثل بالعلم والمعرفة، والقيادة والمسؤولية، والمتغيرات، والصبر والثبات، والعدل.
وطرح المتدربون مجموعة من الأسئلة تتعلق بأسباب فشل العملية التفاوضية، وتلاشي حل الدولتين، وعدم إنجاز المصالحة الوطنية وإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة بالرغم من الاتفاقات الموقعة بين "فتح" و"حماس". وطرح بعضهم استفسارات حول أهمية توظيف المقاومة لخدمة المفاوضات، وكيف لنا كفلسطينيين التوفيق ما بين الالتزامات المتضمنة في الاتفاقات الموقعة مع إسرائيل وبين المصالح الفلسطينية وإنجاز الحقوق والأهداف الوطنية.
يشار إلى أن البرنامج التدريبي المنفذ منذ حوالي أربعة أشهر يهدف إلى تدريب مجموعة من الباحثين والباحثات على مهارات التحليل السياسي والإستراتيجي، وتحليل وإعداد السياسات العامة، ووضع خطط عمل إستراتيجية تتعامل مع قضايا مختلفة، وكذلك تسويقها، وتعوض النقص في توفر مهارات وقدرات في مجالات التفكير الإستراتيجي، خصوصًا في الجيل الشاب.