جيل النكبة يغادرنا وهو يَحِنّ للبرتقال
اسيل الاخرس
في ذكرى النكبة السابعة والستين بحثنا في مخيم الجلزون عن أحمد صافي المعروف بأنه من أكبر المعمّرين في المخيم، لكنا وجدنا ان الموت قد غيبه في شباط الماضي.
غاب أبو صافي المنحدر من قرية بيت نبالا المهجّرة عام 1948، ولم نجده ليشاركنا استعادة ذكريات البلاد وقصص الأجداد.
بذهابنا إلى بيته وجدنا زوجته كاملة يوسف ( 87 عاما) التي أقعدها المرض، والتي كانت قد تزوجته قبل النكبة وأنجبت منه ثلاثة من أبنائها في بيت نبالا.
أبو حافظ لم يجد في الدنيا إلا شريكة عمره كاملة، التي شاركته الحياة لأكثر من 74 عاما، والتي أنستها تزاحم الذكريات المؤلمة الكثير من اللحظات السعيدة التي عاشتها، ليأتمنها على مفتاح 'عش الزوجية' وبيتهم الحقيقي الذي لم يعترف أبو حافظ بغيره منزلا، وعندما رأت المفتاح الذي أخرجه حفيدها عمر تبسمت ورفعت صوتها 'هذا الغالي مفتاح الغالي'.
عمر حفيد ابو حافظ يقول إن جده لم يتنازل أبدا عن فكرة 'العودة للبلاد' ولا عن مذاق البرتقال هناك، ولم يكن يتمنى سوى ان يدفن في بيت نبالا وانه كان يصر على اعتبار المخيم مرحلة مؤقتة ستنتهي في يوم ما، لكن القدر لم يسعفه.
المخيمات على تنوعها واختلاف مواقعها تتوحد في قدرتها على أن تمثل كل فلسطين، ومهما اختلفت ذكريات وقصص النكبة إلا أن وجع اللجوء وحسرة خسارة الأرض جعل أهالي المخيم متشابهون كأزقته.
الحاج سالم كفاية 85 عاما من قرية نعاني قضاء الرملة يقول 'تركنا البلاد وتركت قبر ابني وحيدا هناك'، يصمت قليلا ويتحدث عن 67 عاما مرت وكأنها حدثت في الأمس القريب:' كان والدي يملك أكثر من 16 دونما زرعها بالقمح والبطيخ والشمام، بالإضافة إلى بيت مبني على دونم ونصف وقن للدجاج أحكمت إغلاقه خوفا من السرقة على أمل العودة صباحا، 'تركنا كل هذا وصرنا ببيت في مخيم الامعري مساحته اقل من 30 مترا'.
ويقول كفاية، 'خرجنا خوفا من اليهود، وبقينا في اللد ما يقرب من العام وخلال الهدنة حاولنا العودة لكنهم رفضوا السماح لنا بالعودة للرملة'.
ويصف كفاية طريق الخروج بقوله، 'كان طريق طويلا وحارا ووعرا، كنا حافيي القدمين، اذكر أصوات المدنيات وهن يصرخن 'بَقبَشوا رجلينا من الحجار'، وكان منا من حمل والديه وأطفاله على ظهره'.
' استغرقنا المشي في طريق اللد، جمزو، ودانيال، المدية الى نعلين من الصباح حتى المساء، وبعد أيام على وصولنا المخيم منحت خيمة لكل أربعة أسر، وفي أول شتاء لنا في رام الله بعد الهجرة مات والدي من شدة البرد'.
وعن اكبر مخاوفه التي تتزايد مع مرور السنين يقول، 'أكثر ما يؤلمني ان يعتبر أحد الأحفاد أنه من المخيم ويتعامل معه كبلدته الأصلية..اللجوء فرق أهل القرية في مخيمات قطاع غزة والضفة الغربية والمملكة الأردنية كما تفرق الفلسطينيون في مختلف المخيمات في الوطن والشتات.
ولا يزال ابو خالد يصر على إنكار أن 'نعاني' تحولت الى مستوطنة 'نعان' ومستعمرة 'رموت مائير' ظاناً أن بيته وأرضه لا يزالان خاويان، متمسكا بحقه المسلوب في العودة طيلة 67 عاما، ومتأكدا انه وان لم يتمكن هو سيتمكن أحد أحفاده أو أبناء أحفاده من تذوق برتقال نعاني.