شاعر يهزم السرطان
علي العامري
عاد الشاعر والصحافي جهاد هديب منتصراً على مرض السرطان الذي أصاب حنجرته، عاد من ذلك النزال الصعب، رافعاً نجمة الأمل والحياة والعمل والإبداع. وعلى الرغم من الأزمة التي ألمت به، ودوّخته ثلاثة أشهر، فإن الشاعر عاد منتصراً، بعدما وقف في وجه المرض وتحداه بإرادة الشعر والأمل، ليعود إلى أصدقائه وعمله ومشغل الكتابة من جديد.
كان الصديق هديب منذ البداية جريئاً، إذ إنه هو بنفسه الذي أعلن إصابته بالمرض، وكتب رسالة إلى الأصدقاء يخبرهم بها بأن الفحوص الطبية أكدت تلك الإصابة. وكان بذلك خطا الخطوة الأولى في المواجهة مع مرض شديد الشراسة، وبقيت معنويات الشاعر عالية، وكانت رغبته في الحياة أقوى من ذلك المرض، ومع مرور الأيام واستمرار العلاج، بدأ المرض يتراجع خطوة خطوة، في حين يتقدم هديب على أرض المواجهة، إلى أن هزم السرطان تماماً.
ماء الأمل كان سر سيرة الأزهار، بما توحي به من معانٍ جميلة تدعو للحياة والتفاؤل والحب، حتى إن الأزهار التي توضع على القبر تعمل على تخفيف حدة الموت، وتخفيف قسوة الغياب، وكسر رتابة التراب والشاهد الحجري. عاد الشاعر جهاد هديب حاملاً القلم، ليكتب نجمة في دفتر الأمل.
طلب هديب من كل صديق أن يمنحه دقيقة واحدة، ليكون أكثر قدرة على مواجهة المرض، وكان عبّر عن إرادة قوية كانت متوارية خلف قميصه، كما لو أنه استعاد قوة الشعر الذي أمده بطاقة عالية هزم بها المرض، وعلى الرغم من تلك المرحلة التي تأرجحت بين يأس وأمل، كان الشاعر يفتح بوابات جديدة لسيرة الحياة، إذ أكمل ترجمة قصائد لشعراء من كولومبيا.
الأطباء فوجئوا بالنتيجة السريعة لهزيمة السرطان الذي فتك بكثيرين، وكان الأطباء توقعوا استمرار مسيرة العلاج الكيماوي والإشعاعي فترة أطول بكثير، لكن هديب صرع السرطان، وعاد إلى نشيد الحياة مجدداً وبشغف متزايد.
لم يركن الشاعر إلى العتمة واليأس والانزواء، بل كتب على موقعه في «فيس بوك» تلك الرسالة المؤثرة، فاضحاً المرض على العلن، وكاشفاً عن قوة إرادة، ربما لم يتوقعها المقربون منه، خصوصاً أنه معروف بإنسانيته الرقيقة وعاطفته الفياضة وهدوئه الأثير. كان جريئاً تماماً، في تسميته المرض، ولم يلجأ إلى صفة المرض الخبيث أو العضال أو أي وصف آخر موارب، كما يفعل كثيرون، إذ يلجأون إلى عدم ذكر مرض السرطان مباشرة.
في تلك الرسالة، عبر جهاد هديب عن حزن شفيف، وحب كبير لأصدقائه، وشغف بالكتابة والحياة، إذ إن القصيدة هي بيته الأكثر حميمية، وهي مأواه الأول، وملجأه الدائم، وما الأماكن سوى محطات أو عتبات في الطريق إلى القصيدة.
في الرسالة طلب من كل صديق أن يمنحه دقيقة واحدة، ليكون أكثر قدرة على مواجهة المرض، وكان عبر عن إرادة قوية كانت متوارية خلف قميصه، كما لو أنه استعاد قوة الشعر الذي أمده بطاقة عالية هزم بها المرض، وعلى الرغم من تلك المرحلة التي تأرجحت بين يأس وأمل، كان هديب يفتح بوابات جديدة لسيرة الحياة، وخلال تلك الفترة العصيبة، كان يترجم قصائد لشعراء من كولومبيا، وكان الشعر «زوادة» الأمل.
في شهر فبراير الماضي أنجز ترجمة قصائد لعشرة شعراء كولومبيين، عن اللغة الإنجليزية، مع سيرة تعريفية لكل شاعر. ومن قصيدة «أحلام» للشاعر فريدي تشيكانغانا الذي تعود جذوره إلى حضارة الإينكا، جاء هذا المقطع:
«سعيدٌ هو الماءُ
الذي يجعل الأزهار تنمو فوق هذه الأرض العُرْضَةِ للخطر
لأنها تهبُ جمالاً يواجه الموت».
يبدو لي أن هذا المقطع المكثف عبّر عن حالة الشاعر جهاد هديب خلال خوضه المواجهة الصعبة مع المرض، وعلى الرغم من الأرض المعرضة للمخاطر والعتمة الحادة والقاسية، فإن ماء الأمل كان سر سيرة الأزهار، بما توحي به من معانٍ جميلة تدعو للحياة والتفاؤل والحب، حتى إن الأزهار التي توضع على القبر تعمل على تخفيف حدة الموت، وتخفيف قسوة الغياب، وكسر رتابة التراب والشاهد الحجري.
عاد الشاعر جهاد هديب حاملاً القلم، ليكتب نجمة في دفتر الأمل.