فيديو- عين فارة المفقوءة
عميد شحادة
هنا في قرية عناتا شرق القدس، ننتظر أن تتفتق أدمغتنا بطريقة نُدخل بها الكاميرا إلى عين فارة. الأمور هنا معقدة، من أهالي البلدة التي يفصلها عن بلدية القدس حاوية نفايات؛ تسمع قصصا عجيبة عن تقسيم الاحتلال للمنطقة، فتجد عناتيا بيته في الضفة ودرجه في القدس، وآخر مطبخه في القدس ومرحاضه خارجها.
يقول الحاج سامي عليان: 'جاء التنظيم الإسرائيلي لأخذ القياسات، فاعتبروا أن حائطا في منزلي هو الحد الفاصل، ومنعوني من تعمير الدرج، الآن بيتي مقسوم لجهتين، أحداهما في القدس والأخرى في الضفة'.
سرقت إسرائيل 31 ألفا من أصل 32 ألف دونم من أراضي عناتا، فضاقت القرية المطوقة بالجدار والمستوطنات، لدرجة أنها لم تستفد من مشروع تشجير فلسطين فلا مساحة فيها لشجرة.
صالح إبراهيم أحد سكان عناتا يستذكر أيامه الماضية عندما كان يزور القدس بسهولة وفي أسرع وقت بالقول: 'نحن نعتبر عناتا جزءا لا يتجزأ من القدس ففيها المدارس والمستشفيات ومنها نتسوق كل احتياجاتنا'.
هيا بنا إلى عين فارة، في الطريق إليها، وأثناء تصوير بعض المشاهد القاحلة بالكاميرا، بدأت أشك بأن هناك جنة خضراء خلف الجبال، على كل حال إن نجحنا بإدخال الكاميرا إلى العين سنرى ذلك بأعيننا.
رئيس مجلس محلي عناتا طه نعمان يؤكد على صعوبة الوصول إلى عين فارة والتصوير فيها، السلطات الإسرائيلية تمنع التصوير وتحاول منع أي سيارة لا تحمل لوحة تسجيل إسرائيلية من الوصول، هم حذرون بهذا الشأن خاصة المستوطنات لأنه لا يوجد قانون يحميها.
ثمة أمر آخر يشغلني، نسيت أن أسأل الحاج صالح في عناتا عن اسم الخياط المقدسي الذي كان يرتق له ملابسه، صالح أخبرنا أنه كان يخيط ملابسه في قلب القدس التي صارت بعيدة بعد السماء عن وادي القلط.
أخيرا وصلنا عين فارة، حراس المستوطنين الذين دفعنا لهم بدل دخولنا صاروا خلفنا، لسوء الحظ لم يكن بالإمكان تشغيل الكاميرا قبل هذه النقطة، فكاميرات الاحتلال ترصد كل كبيرة وصغيرة في المنطقة المحيطة بالمكان.
قبل البدء بالتصوير همس طه في إذني كي أغض عين الكاميرا لو شاهدت مستوطنين غارقين في كذا وكذا خلف صخرة ما، فتذكرت ما قاله الروائي أسامة العيسة عن وادي القلط الذي يتغذى من مياه عين فارة: 'يعيش فيه الليليون، ويغيب عنه الباحثون'.
من هنا مر أهالي عناتا يوم احتلت إسرائيل الضفة الغربية عام 1967، واختبأوا داخل كهف الحمام هربا من الموت، وليس بعيدا عن الكهف بنا خريطون -أحد أشهر الرهبان في صحراء البحر الميت في العصر البرونزي- أول مؤسساته الرهبانية في عين فارة.
تعيش في عين فارة، أجمل مناطق برية القدس؛ غزلان وضباع وغربان وصقور، وأنواع مختلفة من الحيوانات التي لم يظهر للعيان منها سوى الوبر الصخري الحذر. ذاته الحذر أجبرني على سرقة المشاهد من خلف الصخور، لكن لم يرق لي كثيرا التلصص من أعلى مثل وبر صخري، غامرت ونزلت بينهم.
هذه ليست عين، هذا نهر يمتد لبضعة كيلو مترات ويغذي مجرى وادي القلط الشهير مع نبعين آخرين هما الفوار والقلط، هنا كانت النساء الفلسطينيات يغسلن أولادهن كل أسبوع، قبل أن يسيطر أولاد المستوطنين على كل المناطق الجميلة في فلسطين، هؤلاء الغرباء أينما وجد الماء يدقون أوتادهم.
على كل حال، ستشعر بأنك الغريب الوحيد هنا، وتمسك رأسك وتدوره في سماء عين فارة، إحدى مناطق وجع القلب الفلسطيني.