الاسير المحرر الزيتاوي: نابلس "هي أمي التي لما أرها وتوفت ولم تراني"
في زيارتها الأخيرة له في مطلع شهر سبتمبر من عام 2010، داخل سجن جربوع أخبرها أنه قدم طلب لإدارة السجن كأي يلتقط معها ومع والده عدد من الصور، فأخذت تبكي، وقالت له :" أنا أريد أن أحتضنك خارج سجنك وأفرح فيك وأنت عريس تزف إلى زوجك".
أم الأسير المحرر والمبعد بغزة عبد الله محمد محمود الزيتاوي من بلدة جماعيين قضاء نابلس، كانت في تلك اللحظات على ثقة بالله غز وجل أن أبنها سيطلق سراحه خاصة وأن الأخبار كانت تشير إلى أن صفقة التبادل ستتم خلال تلك الأيام.
ذكريات من أم ...
ويقول الزيتاوي لمراسل قدس نت سلطان ناصر إن كلمات أمه له كانت الأخيرة بينه وبينها فقد وافتها المنية بعد فترة قصيرة، مشيراً أن قلبه اعتصر ألم عليها لأنه لم يتمكن من احتضانها حتى للحظة واحدة طوال فترة اعتقاله .
ويتذكر الزيتاوي أن أمه رحمها الله طلبت منه خلال لقائها الأخير أن يقوم بتهذيب وتخفيف لحيته، لأنها تريد أن تراه في الزيارة القادمة بشكل مختلف لأنها كانت تنوي أن تزوجه، مؤكداً أنه أعتبر ذلك وصية أمه له وأنه سوف يتزوج حتى يحقق أمنيتها التي كانت تحلم فيها .
حبه للحرية ..
ويوضح الزيتاوي أنه منذ صغره يعشق الحرية ولا يحب حتى التقيد في عمل رسمي، قائلاً :" حبي للحرية نابع من كوني فلسطيني أحبها وأعشقها فعندما كان عمري أربعة عشر عاماً كانت الانتفاضة الأولي قائمة، وكنت أشاهد مشاهد الدمار والقتل التي يقوم بها الاحتلال بأرضي وأبناء شعبي وكان قلبي يعتصر من الألم".
ويشير إلى أنه درس قبل اعتقاله حتى الصف الأول الثانوي في سنة 1991 وبدء يعمل سائق وكان يحب العمل الحر ولا يحب الالتزام في وظيفة معينة، ولكن اعتقاله جاء عكس ما يحب، مبيناً انه مع اشتداد الانتفاضة تأثر بما يرتكبه الاحتلال من جرائم وبدأ يسير في تجاه المقاومة بالحجار مع باقي الفلسطينيين.
ويقول :" مع بداية الانتفاضة الثانية لم تعد الحجارة توفي بالغرض لأنك تريد أن تدافع عن أرض فأصبح الرد نار مقابل نار سلاح مقابل سلاح، وهنا حبي لفلسطين بدء يزيد بشكل أكبر"، مؤكداً أنه كان على قناعة تامة أن طريقه التي سلكها هي التي يمكن أن توصل فلسطين لمرحلة التحرير .
ويتابع الزيتاوي :" تم اعتقالي في 23-8-2001 وحكم علي مؤبد و15 سنة بتهمة التعامل مع خلية " مجموعة مسلحة" وتم إدانتي بقتل مستوطن إسرائيلي أسمه " زوهر شوربي " في تاريخ 7-8-2001 وقضيت من محكومتي عشر سنوات وشهرين" .
ويوضح خلال اعتقاله داخل السجون الإسرائيلية لا يكاد يذكر أنه مر عليهم يوم جميل قائلاً :" عندما أغلقت أبواب السجن، الإنسان لم يدخل سجن دخل قبر يعنى أنتهي بس أللهم أنه يشاهد جزء بسيط من خلال التلفزيون وهو يعطيك الصورة، شوارع وناس ولكن قلوب مشاعر الناس المتأثرة بالأسرى لا تستطيع مشاهدتها والإحساس فيها ".
بدون زيارات ...
ويتابع :" مضت العشرة سنوات بدون أن أعيش يوم واحد جميل، ولكن كنا نجبر أنفسنا على الفرحة خلال المناسبات ولكن الفرحة دائما تكون منقوصة، خاصة أن الأسير محروم من جميع أهله"، ويبن أنه معتقل منذ 2001 وكانت أول زيارة لأهله في 2005.
الاحتلال سمح خلال هذه الزيارة لأمه وأبيه بشكل منفصل بزيارته لأسباب أمنية كما يدعي، وبعد فوز حركة حماس في الانتخابات التشريعية في 2006، أصدر الاحتلال بعد معاناة تصريح لأمه وأبيه بالزيارة .
أخاف عليهم...
ويقول :" كنت أخاف على أمي وأبى عندما يأتوا للزيارة لأنهم كبار في السن وهناك معاناة كبيرة لهم أثناء قدومهم إلى الزيارة وخاصة في ظل المضايقات التي ترتكبها إسرائيل بحقهم، وفي شهر رمضان وفي الصيف والشتاء كنت أطلب منهم أن لا يأتوا للزيارة خوفاً عليهم".
ويبن الأسير المحرر والمبعد لغزة الزيتاوي أنه عندما يحين موعد الزيارة يكون في حالة تشوق وترقب لقدومهم، وأنه عند لقائهم لا يتسع قلبه من الفرحة، ولكنها فرحة منقوصة لأنك لا تستطيع أن تسلم عليهم أو تقبلهم.
ويقول :" تتحدث معهم من خلف الزجاج والسماعة تقطع بسبب مراقبة الاحتلال لما يدور من حديث بينك وبينهم، وكان أصعب حاجة عندما تسقط دموعهم ولا استطيع أن أمسحها لهم"، منوه إلى أن لحظة فراقهم تكون صعبة جداً بالنسبة لهم وله وأنه يشعر بحزن شديد لأنه لا يعرف إذا كان سيلتقي بهم أم لا .
الأم والأمل والحلم ..
نابلس بالنسبة للزيتاوي هي الأم والأمل والحلم بالعودة لتقبيل ترابها، مع أنه يعبر عن سعادته الشديدة لوجوده في مدينة غزة ، معتبراً أن كل من فيها أهلاً له قائلاً :" لقد استقبلونا استقبال الأبطال وأشعر أنى بين أهلي في نابلس".
ويعتبر أن نابلس هي جبل النار والشعلة الأساسية للانتفاضة الفلسطينية ضد الاحتلال الإسرائيلي قائلاً :"نابلس كان التركيز عليها في المواجهة مع الاحتلال وخاصة على الطرق الالتفافية في شوارعها حيث كان يتواجد المستوطنين، وفيها عدد كبير من مجموعات المقاومة الفلسطينية بكافة ألونها" ، مؤكداً أن معظم الأسرى الفلسطينيين من نابلس.
وعن علاقة الزيتاوي الإنسان في نابلس يقول :" تربطني فيها علاقة عشق، فكل ذكريات طفولتي فيها، وأحن لأن أعود وأعيش فيها بين أخواني وأخواتي وجيراني، أحن لتلك الضحكات أوقات جلوسي مع أهلي وعائلتي فأنا أحب الأجواء المرحة ".
غزة ونابلس ...
يقول :" في سجني كنت أشاهد غزة ولكن عند دخولي لها ما شاهدته كان فوق التصور والفرحة في عيون أهلها واستقبال الناس من رفح حتى غزة، لنا لم نتوقعه وحتى رؤساء دول لا يحلمون بذلك ، فكافة الفصائل تشاركنا فرحتنا، وبصرحه لا استطيع الوصف ".
ويبتسم الزيتاوي عند سؤاله لو كان هذا الاستقبال في نابلس ويقول :" لا توجد مقارنة بين نابلس وغزة هناك الوضع أكيد سيكون مختلف، مع وجود مضايقات من الاحتلال، وأنا أبن مجموعتي الذي سجن وحكم معي في نفس القضية عاد إلى نابلس وأنا لغزة".
ويختم الزيتاوي حديثه في جملة قالها له أحد رجال المخابرات الإسرائيلية لن ينساها ويقول:" قال ضابط المخابرات في سجن عسقلان أنت اخترت هذه الطريق وبدك تعيش في غرفة وبدك تعيش على هذا الوضع ويجوز أن يكون أصعب من هذا وأي غلط راح نعلم ونربيك"، فرد الأسير عليه وقال :" أنا إمربي من دار أهلي".