"الزبيدات" ..حلمٌ ودولة
وفا- جهاد قاسم
بأنامله الهرمة يشعل أبو عادل ناراً يعد على لهيبها كأسا من القهوة، بينما أغنامه تقتات بجواره مما أنبتت أرض قريته "الزبيدات"، التي تمتد على مساحة أربعين دونما في منطقة الأغوار.
يبحر أبو عادل ببصره إلى حيث الحدود القريبة التي تفصل الضفة الغربية عن جارتها الشرقية، ليراها مستحيلة الوصول كما هي دوما، ويقول: "أن أصعد إلى السماء أهون من تطأ قدماي تراب تلك المنطقة"، ويشير إلى سياج شائك يمتد على طول "طريقٍ 90" كما يسمى إسرائيليا.
الأراضي الواقعة إلى الشرق من الطريق أعلنتها سلطات الاحتلال الإسرائيلي منطقة عسكرية مغلقة ومحرّمَة منذ احتلالها عام 1967، ونشرت على امتدادها كاميرات المراقبة والأبراج العسكرية، للتأكد من عدم تواجد الفلسطينيين فيها أو استغلالها لأغراض الزراعة.
وما بين دواعٍ عسكرية واستيطانية؛ مضت سلطات الاحتلال الإسرائيلي في ضم وقضم أكثر من 90 % من مجمل مساحة الأراضي في منطقة الأغوار وشمال البحر الميت.
وبلغت المساحات المصادرة للأغراض العسكرية والأمنية حوالي 50% من مجمل مساحة الأغوار، 48 % منها معسكرات ومناطق تدريب عسكرية، وما مساحته 0.5 % عبارة عن مناطق عسكرية مغلقة، و1 % من الأراضي زرعت بالألغام.
وتنتشر في تلك المناطق 32 مستوطنه يؤوي إليها 9500 مستوطن، وتسيطر تلك المستوطنات على مناطق نفوذ تبلغ مساحتها حوالي 12 % من أراضي منطقة الأغوار.
حمزة مزارع من "الزبيدات" يرى أن إثبات الوجود على الأرض ولو بطرق "بدائية" هو الطريق الوحيد للحفاظ على ما تبقى من أراضي بلدته، مؤكدا إدراك أهالي المنطقة لاسيما المزارعون منهم للمخطط الإسرائيلي الرامي لفرض السيطرة على كامل الأغوار.
ويقول: "مزارعو الزبيدات لجأوا إلى زراعة أشجار النخيل بقرب السياج وعلى القدر المستطاع من امتداده في أراضيهم. أعلم أنها طريقة بدائية أمام ما تمتلكه إسرائيل من أدوات قوة، ولكن هذا قد يمكّننا من وقف زحف الجدار مستقبلا".
الموقف الرسمي الفلسطيني يرى أن السلطات الإسرائيلية تعتمد سياسة ممنهجة لتفريغ كامل منطقة الأغوار من سكانها الأصليين بهدف فرض سيطرة مطلقة عليها، لاسيما أنها تضم نحو 47 % من مصادر المياه الجوفية الفلسطينية، فضلا عن كونها مستقبل الاقتصاد الفلسطيني المتمثل في الزراعة.
ويؤكد وزير الدولة لشؤون الجدار والاستيطان ماهر غنيم، أن منطقة الأغوار التي تمتد على أكثر من 25 % من مساحة الضفة الغربية؛ تعدّ الأكثر حيوية لاحتوائها على المياه الجوفية إضافة إلى أنها أطول حدود خارجية لدولة فلسطين مع دولة شقيقة هي الأردن، وبالتالي فإن "تعنت إسرائيل وعدم اعترافها بحدود عام 1967 كحدود فلسطينية سيحول دون قيام دولة فلسطينية كاملة السيادة".
وفي الآونة الأخيرة، تشددت إسرائيل حيال تثبيت مفهوم "الحدود الآمنة" كشرط لاستئناف مفاوضات السلام مع الجانب الفلسطيني، مع إصرارها على الرفض المطلق لمنح الفلسطينيين دولة على كامل الأراضي المحتلة عام 1967، مما دفع منظمة التحرير الفلسطينية إلى اللجوء لمجلس الأمن رغبة في انتزاع اعتراف دولي بتلك الحدود إطارا لمفاوضات حول دولة كاملة العضوية والسيادة تحمل الرقم 194 على سلم ترقيم الأمم المتحدة.