48 عاما على هزيمة حزيران
لم يتعمق حدث في النفس العربية عامة والفلسطينية خاصة، مثلما تعمقت هزيمة الخامس من حزيران 1967، ففي الوقت الذي كانت إسرائيل تنطلق من قاعدة قوية مأمونة وتعمل باستمرار على تطوير القدرة الحركية والقتالية للهجوم العسكري لتعويض النقص البشري، وفي الوقت الذي كان هدفها واضحا وهو وضع المنطقة في حالة ضعف لا تسمح بتكامل القدرات العربية لمهاجمة إسرائيل، وارتباط ذلك بمعرفة دقيقة للظروف الدولية والإمكانات العربية، في نفس هذا الوقت اتصفت الإستراتيجية العربية بالالتزام بالعقيدة الدفاعية وانعدام التنسيق بين القيادات وعدم وضوح الهدف لديها، جرت الحرب ضمن هاتين الإستراتيجيتين المتناقضتين عسكريا وسياسيا واستراتيجيا.
قامت إسرائيل صباح الخامس من حزيران 1967 بالهجوم على القوات العربية المصرية والسورية والأردنية واحتلال أجزاء من أراضيها فيما عرف بعد ذلك بعدوان الخامس من حزيران، وعرف كذلك بنكسة حزيران، أو حرب 1967.
أما الأسباب التي أدت إلى الحرب فكان أهمها تعاظم المد الوطني العربي بعد ثورة 14 تموز 1958 في العراق، وانتصار ثورة الجزائر 1962 وقيام منظمة التحرير الفلسطينية 1964 وانطلاق العمل الفدائي 1965، يضاف إلى ذلك الارتباط العضوي بين إسرائيل وأميركا ومطامعها في الشرق الأوسط، كانت هذه هي الأسباب غير المباشرة لقيام الحرب، أما الأسباب المباشرة فكانت رغبة إسرائيل في ضم الأراضي المجردة من السلاح في شمال فلسطين، وقيام إسرائيل بتحويل روافد نهر الأردن، وفد أنشأت الدول العربية هيئة خاصة لاستثمار موارد هذه الروافد، فما كان من إسرائيل إلا أن أمعنت في تنفيذ ضم الأراضي وتحويل الروافد بقوة السلاح، وصعدت استفزازاتها بضرب المعدات الخاصة بهيئة استثمار الروافد، وتحرشت بالمزارعين السوريين، ما أدى إلى زيادة حدة الاشتباكات حتى وصلت إلى الاشتباك الجوي يوم 7/4/1967.
تواترت الأخبار عن التجهيزات الإسرائيلية للحرب، فأعلنت مصر حالة التعبئة القصوى لالتزامها باتفاقية الدفاع المشترك مع سوريا والموقعة في 4/11/1966. وطلبت مصر من قائد قوات الطوارئ الدولية سحب قواته يوم 16/5 من سيناء، وتم ذلك يوم 19/5، وأعلن جمال عبد الناصر إغلاق مضائق ثيران يوم 23/5 في وجه الملاحة الإسرائيلية، وهذا ما اعتبرته إسرائيل بمثابة إعلان حرب.
شرعت القوات المصرية والسورية تتوجهان نحو جبهات القتال، ووصلت فصائل من القوات الكويتية والسودانية والجزائرية إلى الجبهة المصرية، وتوجه الملك حسين بن طلال إلى مصر يوم 30/5 وعقد معها اتفاقية دفاع مشترك، ووضعت القوات الأردنية تحت تصرف القيادة المشتركة.
واتضح من التعديلات الوزارية الإسرائيلية والتدابير الاستثنائية نية إسرائيل بالعدوان، وفي ليلة 4-5 حزيران طلب السفيران الأميركي والسوفييتي من عبد الناصر عدم البدء بالهجوم، ولم تمض ساعات قليلة حتى بدأت إسرائيل الحرب.
على الجبهة المصرية، قامت الطائرات الإسرائيلية بإخراج الطيران المصري من المعركة من الضربة الأولى، إذ تم ضرب الطائرات في مهابطها قبل أن تقلع، وهاجمت الطائرات الإسرائيلية جميع المطارات العسكرية تقريبا من الصعيد إلى القاهرة. وحمل مخطط إسرائيل اسم 'حركة الحمامة'.
وقامت البحرية الإسرائيلية بغارات على الموانئ المصرية في إطار العدوان الشامل، وقدرت الخسائر المصرية بعشرة آلاف شهيد ومفقود وخسارة 80% من عتاد الجيش.
على الجبهة الأردنية، وجهت إسرائيل ضربة للسلاح الجو الملكي فدمرت 32 طائرة في مطاري عمان والمفرق، وقد حدثت معارك دامية في القدس، والضفة الغربية عموما، ورغم صمود الجيش الأردني إلا أنه اضطر للانسحاب تحت الضغط الهائل للقوة الإسرائيلية يوم 6 حزيران مساء، وقد قدرت خسائر الأردنيين بـ6094 شهيدا وخسارة 150 دبابة.
على الجبهة السورية، لم يبدأ القتال حتى يوم 9 حزيران، عدا عن الهجوم السوري على مصافي النفط في حيفا يوم 5 حزيران، والذي ردت عليه إسرائيل بتدمير 60 طائرة سورية.
بدأ الهجوم البري الإسرائيلي على الجبهة السورية صباح 9 حزيران بقصف جوي مركز على المواقع الدفاعية ودمرت 40 دبابة إسرائيلية، وتابعت إسرائيل هجومها يوم 10 حزيران واستولت على قمم جبل الشيخ الجنوبية وشمال الجولان، وخسرت سوريا 1000 شهيد و70 دبابة.
وقد خلفت هذه الحرب أثرا نفسيا عميقا لدى الجماهير العربية، نتج بالدرجة الأولى من درجة التعبئة العالية التي سبقت الحرب، حيث كان العرب واثقين من النصر على إسرائيل خلال ساعات، وذلك بسبب استهتارهم غير العلمي بالقوة الإسرائيلية، وفي نفس الوقت، فقد كان وزير الدفاع الإسرائيلي موشي ديان يخاطب قواته قبل الحرب قائلا: إذا فشلت هذه الحرب فليبحث كل منكم عن مأمن لرأسه، وكان سبب ذلك أن إسرائيل استعملت خطة هجومية مطابقة تقريبا لخطة الهجوم على غزة 1956، لكن أحدا من القادة العرب لم يحلل هذا الهجوم.
كانت النتيجة المباشرة لهذه الحرب عدا عن انتصار إسرائيل، أن أكملت إسرائيل احتلال بقية فلسطين بما فيها القدس الشرقية، وأضافت إليها مرتفعات الجولان السورية وسيناء المصرية، فيما لا تزال فلسطين والجولان محتلتين إلى اليوم، فقد تم تحرير سيناء المصرية عبر اتفاقية 'كامب ديفيد' التي وقعها أنور السادات مع مناحيم بيغين عام 1979.