مستعمرون يقطعون عشرات الأشجار جنوب نابلس ويهاجمون منازل في بلدة بيت فوريك    نائب سويسري: جلسة مرتقبة للبرلمان للمطالبة بوقف الحرب على الشعب الفلسطيني    الأمم المتحدة: الاحتلال منع وصول ثلثي المساعدات الإنسانية لقطاع غزة الأسبوع الماضي    الاحتلال ينذر بإخلاء مناطق في ضاحية بيروت الجنوبية    بيروت: شهداء وجرحى في غارة إسرائيلية على عمارة سكنية    الاحتلال يقتحم عددا من قرى الكفريات جنوب طولكرم    شهداء ومصابون في قصف للاحتلال على مناطق متفرقة من قطاع غزة    "فتح" تنعى المناضل محمد صبري صيدم    شهيد و3 جرحى في قصف الاحتلال وسط بيروت    أبو ردينة: نحمل الإدارة الأميركية مسؤولية مجازر غزة وبيت لاهيا    ارتفاع حصيلة الشهداء في قطاع غزة إلى 43,846 والإصابات إلى 103,740 منذ بدء العدوان    الاحتلال يحكم بالسجن وغرامة مالية بحق الزميلة رشا حرز الله    اللجنة الاستشارية للأونروا تبدأ أعمالها غدا وسط تحذيرات دولية من مخاطر تشريعات الاحتلال    الاحتلال ينذر بإخلاء 15 بلدة في جنوب لبنان    شهداء ومصابون في قصف الاحتلال منزلين في مخيمي البريج والنصيرات  

شهداء ومصابون في قصف الاحتلال منزلين في مخيمي البريج والنصيرات

الآن

ناصر البحيصي.. "توجيهي" من غرفة العناية المشددة

 سهاد الربايعة -  في آخر الممر في غرفة العناية المشددة بمستشفى شهداء الأقصى في دير البلح, وعلى سرير محاط بأجهزة وأنابيب مربوطة به, وكأنها سور شائك يلتف حوله, يرقد فتى مشلول ممدد على سرير, قدم للأصحاء درسا في العزيمة والتشبث بأهداب الحياة.. إذ كيف لجسد مشلول لا يتحرك منه الا رأسه وفؤاد صادق يخفق بين أضلعه الباردة, أن يصبح مثالا وقدوة لآلاف الشباب الأصحاء والأقوياء, ومصدر فخر لعائلته بل لكل شعبه وجميع من عرفوه أو حتى سمعوا عنه؟!, انه الطالب ناصر سمير زكي البحيصي "17 عاما" من دير البلح, الذي يرقد منذ تسع سنوات هناك, لكن المميز والمعجزة في الأمر هذا العام انه يقدم امتحانات الثانوية العامة من داخل المستشفى كأي طالب عادي, حيث يوجد مراقب من التربية وكاتب يقوم بتفريغ الاجابات على ورقة الامتحانات، فيما هو تحت سطوة الأجهزة التي تكبل جسده الضعيف, حيث انه مصاب بشلل رباعي منذ صغره ليعلن أن ذلك السور لن يمنعه من أن يطلق أنفاسه التي تتحكم بها تلك الأجهزة, ويرخي العنان لقلبه وروحه لاجتراح للحياة.
ناصر الذي استقبل "الحياة الجديدة" ببسمة ارتسمت على شفتيه وأشعت نورا ملأ المكان معبرة عن روح إنسان يعيش الحياة بطاقة ايجابية قال: "سأكسب الدنيا والآخرة بإذن الله من خلال دراستي تخصص العلوم الشرعية في الثانوية العامة, لأن دراستها غذتني بالأمل والتفاؤل والعزيمة", مبينا أن الامتحانات هذا العام تسير على ما يرام ولا صعوبات فيها, مشيرا إلى تعاون الجميع معه ومساعدته في الدراسة, خاصة بعض المدرسين الذين كانوا يأتون بالساعات ليدرسوه.
وأضاف: "أدرس كأي طالب طبيعي منتظم على مقاعد الدراسة, وان لم أكن فعليا كذلك, لكنني أعيش هذه الأجواء مع عائلي ومدرسي, ولدي سبورة يكتبون عليها أمامي, وأتعلم من خلالها كأنني في فصل دراسي", مؤكدا استمراره في التعلم بقوة وعزيمة, ليثبت أن الإعاقة والمرض لا يقفان حائلا أمام الإرادة والطموح. 
ووسط إشراقة مبهرة علت محياه تابع ناصر حديثه لـ "الحياة الجديدة" رغم ثقل لسانه وصعوبة نطقه للكلمات, موجها رسالة لكل طلبة الثانوية العامة الذين يخوضون غمار الامتحانات هذه الأيام قائلا: "لا يأس مع الحياة أبدا, وعلى جميع الطلبة الدراسة جيدا, فالامتحانات مجرد خطوة لبداية حياة أخرى في الجامعة تمهد لمستقبل زاهر بإذن الله", شاكرا جميع أفراد أسرته ومدرسيه والطاقم الطبي الذين ساندوه خلال سنوات دراسته, وكثفوا تعاونهم ووجهودهم معه في الثانوية العامة منذ بداية العام الدراسي, متمنيا أن يكون عند حسن ظنهم وينال الدرجات العالية.

إرادة وتحد
وقال سمير البحيصي والد الطالب ناصر ان ابنه اصيب بشلل رباعي جراء حادث سير مروع وهو في الثامنة من عمره، دخل على اثره مرحلة تحدٍ للبقاء والاستمرار في الحياة, وتحدث عن رحلة ابنه مع الدراسة على سرير المستشفى, مبينا أن ناصر لم ينقطع عن الدراسة حتى بعد دخوله المستشفى, حيث التزم بها وكأنه طالب يواظب على الدوام في مدرسته كل يوم, مشيرا الى انه أتم كل المراحل الدراسية الابتدائية والاعدادية والثانوية, ويخوض حاليا امتحانات الثانوية العامة فرع "العلوم الشرعية". 
واضاف ان ناصر اصغر أبنائه وينال من حبه وحبهم نصيب الأسد, ومعنوياته العالية وتقبله لأمر مرضه رفع معنويات باقي أفراد أسرته, مشيرا إلى أن تسليمه بالقضاء والقدر وتقبله لحاله وهو ممدد على السرير منذ سنوات طوال بلا حراك جعل منه نموذجا لكل إنسان مؤمن يثبت عند المصيبة, قائلا: "في بداية مرض ناصر كنت أمازحه وأقول له بعد اليوم لا داعي للدراسة لأنك لن تستطيع المواصلة, فأجابني باستغراب وبلهجة حملت إصرارا عجيبا وارادة فولاذية: كيف يكمل أصدقائي وأصحابي تعليمهم وأنا لا أكمله؟ سوف أدرس وأكمل الجامعة وأحصل على الماجستير, مشيرا الى دهشته من ردة فعل ناصر في عمر صغير وتمسكه بالتعليم الأمر الذي شجع جميع أفراد عائلته على توفير المناخ اللازم له لإتمامه كافة المراحل الدراسة.

علوم شرعية
وأضاف البحيصي أن مرض ناصر لم يمنعه من ممارسه حياته بشكل طبيعي, فهو يدرس الثانوية العامة منذ بداية العام, موضحا أن وزارة التربية والتعليم حرصت منذ إصابته ورقوده في المستشفى على متابعة حالته على مدار السنوات, وأحضرت له مدرسين لتعليمه داخل المستشفى, إضافة إلى خوضه الامتحانات كأي طالب يدرس على مقاعد الدراسة, مؤكدا نجاح ناصر في جميع الفصول الدراسة السابقة.
وقال ان ابنه أحب تخصص العلوم الشرعية ليزداد ثباتا ويقينا وعزيمة, وسيدرس شريعة في الجامعة عندما ينال الثانوية العامة.
وأكد أن حالة ناصر النفسية رائعة, فهو يشعر كأنه في بيته, وجميع أفراد الطاقم الطبي داخل مستشفى شهداء الأقصى يحرصون على الاعتناء به كأنه فرد منهم.
وقال ان ابنه انشأ بيئة اجتماعية خاصة به, مشيرا الى أن الأطباء والممرضين ساندوه في الدراسة, حيث عكف بعضهم في أوقات الفراغ على تدرسيه وتوفير الطلبات له والسهر معه في بعض الأحيان ومشاركته في الحديث.
وأضاف: استطاع ناصر كسر حاجز الوحدة, فهو دائم الابتسامة ويمزح كثيرا, حتى أن اغلب أصدقائه يأتون إليه على الدوام للجلوس معه والاستمتاع بلحظات دافئة, وكل من يأتي عنده يخرج بجرعات من الأمل والحياة, فجميعنا نستمد العزيمة والصبر منه.
وتابع أن ابنه يخوض امتحانات الثانوية العامة بثبات رغم صعوبات في المنهاج, مشيرا إلى أن مدرسيه وجميع أفراد العائلة نظموا وقتهم لخوض مرحلة الثانوية العامة معه منذ بداية العام, ووضعوا جدولا خاصا لمراجعة المواد الدراسية وتحفيظه إياها, موضحا أن ناصر سريع.
وقال البحيصي ان علاج ناصر غير موجود في دول العالم المتقدم حتى اليوم, حيث أن محاولات الطب لزرع خلايا جذعية في الحبل الشوكي مجرد تجارب حتى الآن, مبينا أن إصابة ناصر جاءت في الفقرتين الأولى الثانية من العمود الفقري, ما جعله مصابا بالشلل الرباعي.
وأكد أن الرئيس محمود عباس تبنى ناصر منذ سنوات للعلاج في الخارج, وحتى الآن لا بوادر لخروجه لصعوبة فصل جهاز التنفس الصناعي عنه الذي يبقيه على قيد الحياة, موضحا أن ابنه يرقد في المستشفى لأنه يتنفس عن طريق هذا الجهاز ولا يستطيع التخلي عنه.
واشار الى أن أحد إخوة ناصر درس العلاج الطبيعي خصوصا للمساعدة في علاجه. وأكد أن ناصر تعرض لظلم مجحف من جهات عدة تنكرت لحقه كمعاق ولم تقدم له أي مساعدة أو خدمة تذكر, موضحا أن وزارة الشؤون الاجتماعية بغزة رفضت إعطاءه راتبا شخصيا كون إعاقته لا تصنف بأي درجة عندهم للمعاقين.
وقال ان شركة التأمين تغطي مصاريف إقامته بالمستشفى, والعائلة تتدبر مصاريف العلاج, حيث أن بعض لوازم علاجه غير متوفرة في مخازن وزارة الصحة, ويتم جلبها من الخارج بواسطة الوفود الطبية بمبالغ مالية ترهق الأسرة شهريا, موضحا انه موظف متقاعد منذ سنوات وعلاج ناصر يحتاج لمصاريف كثيرة داخل المستشفى.

لا يأس مع الحياة 
من جانبه أوضح يوسف البحيصي شقيق ناصر أن الأخير غير منقطع عن العالم الخارجي, فهو يشارك الناس حياتهم, وله صفحة على موقع التواصل الاجتماعي "الفيسبوك" يديرها اخوته ويعلقون نيابة عنه, وينشرون فيها صورا له ويملي عليهم بعض التعليقات والمنشورات, منوها إلى أن لناصر أصدقاء كثرا.
وأكد ان ناصر كان وما زال مصدر الهام للجميع, فكل من يعرفه يدرك قيمة الحياة وعدم الاتكال أو اليأس, مشيرا إلى أن أخاه أصبح نموذجا للإنسان القوي الصابر القادر على التحدي ومواجهة الصعاب, كونه خاض تجربة أليمة مع المرض واستطاع الانتصار عليه بالإرادة, مردفا أن أشخاصا أسوياء وأصحاء لا يتمتعون بروحه المرحة وارادته القوية التي دفعته لمواصلة الحياة بقوة وأمل وعزيمة لا تلين.

ha

إقرأ أيضاً

الأكثر زيارة

Developed by MONGID | Software House جميع الحقوق محفوظة لـمفوضية العلاقات الوطنية © 2024