إيلان بابيه في ضيافة مركز مسارات
استضاف مركز مسارات ظهر اليوم الثلاثاء المفكر والباحث الإسرائيلي إيلان بابيه، في قاعة الهلال الأحمر الفلسطيني في مدينة البيرة.
وأدار الندوة التي عقدت بالتزامن مع قطاع غزة عبر تقنية الفيديو كونفرانس، الباحث خليل شاهين، وقام بتقديم بابيه الكاتب الصحفي هاني المصري والذي ذكر أن بابيه من المؤرخين الذين يعملون على إعادة كتابة التاريخ حسب منظور جديد، خصوصاً في كتابه الشهير 'التطهير العرقي في فلسطين'، وأن هذه الندوة تؤكد احترام الفلسطينيين لأصحاب وجهات النظر الموضوعية.
وتحدث بابيه عن المشروع الصهيوني في فلسطين، وشبّه المشروع بتقشير البصلة، كلما زالت طبقة وجدنا طبقة أخرى تحتها، وبيّن أن الصهيونية عندما بدأت في غرب أوروبا، إنما بدأت للتعبير عن مجموعة لم تكن تشعر بالأمان، بدأت تخطط لإنقاذ نفسها من أوضاع مأساوية تعيشها، وبدأ الطرح كالتالي: بما أننا ننتمي لمجموعة وطنية، فنحن نحتاج إلى وطن، ففكروا في جنوب تشيلي بداية الأمر، لكنهم بدأوا في البحث عنت وطن آخر لبعد المسافة، ففكروا في فلسطين، وتحول ذلك إلى التفكير في استعمار فلسطين تحت شعار كانوا يعرفون سلفاً أنه شعار كاذب: أرض بلا شعب لشعب بلا أرض.
وبين بابيه أن واحدا من أسباب تقدم المشروع الصهيوني هو تأييد العديد من الكنائس في الغرب لهذا المشروع تحت أوهام قيامة المسيح، إضافة للمشروع السياسي الذي بدأ في أوروبا في بدايات القرن العشرين، حيث حلت الإمبراطوريتان الفرنسية والبريطانية محل الإمبراطورية العثمانية، وتوجت باتفاق سايكس بيكو.
وقال بابيه إن اعتماد الصهيونية على مشروع كوني على المستوى الاقتصادي والسياسي والاستراتيجي والديني والأخلاقي، كان نقطة قوة ونقطة ضعف المشروع الصهيوني في الوقت ذاته.
وأضاف بابيه إن المشروع الصهيوني انتقل إلى مرحلة جديدة، فبدأوا بالحديث عن شكل الدولة وكيف ستبدو، واختاروا أن تبدو شبيهة بأوروبا تحت الغطاء الدولي.
وأوضح أنه لم يتم النظر إلى الفلسطينيين في فلسطين حتى كأقلية عرقية، بل مجرد جماعة موجودة على الأرض المقدسة.
وشرح بابيه، كيف أنه في اليوم الذي قررت فيه بريطانيا مغادرة فلسطين، اجتمعت القيادة الصهيونية ووضعت خطة للاستيلاء على المكان بمجرد مغادرة البريطانيين، واقتضت الخطة بأن يتم تطهير الأرض من أكبر عدد ممكن من الفلسطينيين، وفي بدايات 1948 كان تنفيذ الخطة قد بدأ فعلا.
وأكد بابيه أن ما حدث عام 1948 وصف من قبل الإسرائيليين أنفسهم بأنه غير أخلاقي وغير قانوني وغير إنساني، وفي أكتوبر 1948، قال تقرير للأمم المتحدة إن فلسطين دمرت من قبل الصهاينة لكن هذا التقرير منع من النشر بضغط صهيوني.
وقال بابيه إن التطهير استمر من 1948 حتى 1967، قتل خلال هذه الفترة العديد من الفلسطينيين الذين حاولوا العودة إلى قراهم، وتم تطبيق القوانين العسكرية بصرامة ضد العرب، واستمرت إسرائيل في نفس الوقت بالإعلان عن نفسها كدولة ديمقراطية.
وبين بابيه كيف قامت إسرائيل بالاحتفاظ بالمناطق عبر إرسال المستوطنين إلى الضفة وغزة وبناء المستوطنات فيها، رغم أنها اتخذت ثلاثة قرارات عام 1967، أولها عدم التعامل مع الضفة وغزة مثل التعامل مع الأراضي التي سيطرت عليها عام 1948، وثانيها عدم ضم الضفة الغربية وغزة لتجنب المشكلة الديمغرافية، وثالثها أن إسرائيل لن تتخلى عن الضفة، لكن عليها أن تجد وسيلة لذلك، فأخذت تبيع أكذوبة عملية السلام للعالم، وعملية السلام من وجهة النظر الصهيونية، سواء وجهة نظر اليسار أو اليمين، هي مجرد تكتيك للاحتفاظ بالأرض مع الحفاظ على التوازن الديمغرافي، فقد ظلت إسرائيل إلى اليوم مخلصة للقرارات الثلاث.
وأوضح بابيه، كيف توصل الإسرائيليون إلى نتيجة مفادها أنه من المستحيل إقامة دولة يهودية وديمقراطية في نفس الوقت، وكان عليهم الاختيار بينهما، فاختاروا الدولة اليهودية، وبالتالي أصبح جميع من لا يؤيد هذه الدولة سواء في داخل إسرائيل أو خارجها عدواً، وبالتالي لم يعد مهماً دفع عملية السلام إلى الأمام.
وشرح بابيه استراتيجية إسرائيل، وتحولات الشارع الإسرائيلي، وقال إنه لا يتوقع أن تفوز أي حكومة غير يمينية في الأعوام الخمسة عشر القادمة، وقال 'إذا نجحت في أن أتحدث الصينية، فسيحدث ذلك قبل أن تفوز حكومة غير يمينية في إسرائيل'، إنه مجتمع كولونيالي كان وما يزال، فمثلاً لو توقف تمثيل العرب في الكنيست لتوقف بث الوجه الجميل لإسرائيل، إسرائيل معنية بقشور من هذا النوع.
اختتم بابيه بالحديث عن حل الدولتين، وقال إن حل الدولتين مات، ونحن فقط في انتظار الجنازة.
بعد ذلك قدم عدد كبير من الحضور في غزة والبيرة مداخلات وأسئلة أجاب عنها إيلان بابيه.
إيلان بابيه مؤرخ إسرائيلي ينتمي إلى تيار المؤرخين الجدد الذين قاموا ويقومون بإعادة كتابة التاريخ الإسرائيلي والتاريخ الصهيوني، ولد عام 1954 وهو من مؤيدي مقاطعة المؤسسات التعليمية الإسرائيلية، وتعرض للكثير من النقد في إسرائيل بسبب تأييده لعودة اللاجئين والحق في مقاومة الاحتلال.