الخليل القديمة.. المركز التجاري والحضاري ما زال مهجورا
أسيل سعيد -
في أحد أزقة البلدة القديمة في الخليل يقف محمد الحروب (44 عاما) مناديا على المارة للفت انتباههم الى بسطته التي تضم أشكالا مختلفة من الحُلي والاكسسوارات.
منذ اندلاع الانتفاضة الثانية عام 2000، واغلاق البلدة القديمة أمام المتسوقين، تراكمت خسارات الحروب، فأصبح يبع الاكسسورات على البسطة بعد أن كان يملك محلا للذهب الخالص. يقول إن ظروفه تشبه ظروف 15 تاجرا للذهب كانوا يملكون محلات في البلدة القديمة، ولكن تردي الأوضاع الامنية بفعل الاعتداءات الإسرائيلية، أغلقوا محلاتهم أو حولوها لبيع أصناف أخرى.
تجار الذهب نموذج لتجار آخرين اضطروا لمغادرة الخليل القديمة للأسباب ذاتها، وهكذا تحوّل المحل في هذه المنطقة من دجاجة تبيض ذهبا إلى عبء على صاحبه.
برغم من أن الحكومة تعفي أهالي وتجار الخليل القديمة من الحد الأدنى من استهلاك المياه والكهرباء إلا أن هؤلاء يعتبرون أن الدعم الحكومي غير كاف لتعزيز صمودهم، داعين الى مشروع واسع يعزز السياحة المحلية والاجنية والمستوقين من الخليل الى البلدة القديمة.
وتقوم الحكومة بتوزيع مبلغ 140 دولارا كل 4 أشهر على تجار الخليل القديمة بما يصل سنويا الى مليون و400 ألف دولار
بين الماضي والحاضر
ويقول تاجر الذهب السابق محمد الحروب إن الإغلاق المستمر لأسابيع ولأشهر في بعض الأحيان تسبب في خسارات هائلة للتجار. وكانت الخليل وخاصة البلدة القديمة شهدت خلال الانتفاضة الثانية بعد العام 2000 مواجهات عنيفة مع جيش الاحتلال، ما جعل المتسوقين يتجنبون الذهاب الى هذه المنطقة خشية على حياتهم بينما أغلقت البنوك والمؤسسات الاهلية فروعها هناك.
يضيف الحروب: "بقيت أبيع الذهب حتى استسلمت الى بيع الذهب الموجود كاملا في متجري في عام 2006 بسعر 7.5 للغرام الواحد، وتكبدت خسارة كبيرة وأنا الآن أبيع الحُلي والتحف المصنوعة يدويا والمطرزات التراثية والمنتجة من سيراميك الخليل، وما أجنيه بالكاد يكفي لسد احتياج اسرتي المكونة من عشرة افراد".
وأشار الى أن معظم المشترين هم من المواطنين القادمين من خارج الخليل بما في ذلك من داخل الخط الأخضر، بالإضافة إلى السياح الأجانب.
وحول مساعدات الحكومة لفلسطينية التي تعفي تجار الخليل القديمة من الضرائب قال الحروب إن المحال التجارية معفية من فاتورة الكهرباء ما دامت دون 100 كيلو واط شهريا وتقدم 143 دولارا اميركيا لكل صاحب محل كل 4 أشهر.
منطقة منكوبة تجاريا
ويقول رئيس غرفة تجارة وصناعة الخليل محمد حرباوي "ان البلدة القديمة بالخليل منطقة منكوبة بسبب الاجراءات الاسرائيلية التي حولتها من المركز الصناعي والتجاري والحضاري الى منطقة شبه مهجورة ".
ويضيف: "تكبد اصحاب المحال خسائر مادية كبيرة جدا تقدر بمئات الملايين من الدولارات، واصبحت المحال في البلدة القديمة فقيرة بعد ان كان من كان يملك محلا بالبلدة القديمة "كمن له دجاجة تبيض ذهبا".
واوضح ان سلطات الاحتلال الإسرائيلي عمدت على اضعاف والحاق خسائر بالتجار حيث تقوم هي والمستوطنون باستفزاز المواطنين فور اعادة فتح المحال لتجبرهم على اعادة اغلاقها. وكانت اسرائيل قد اغلقت بعد انتفاضة الاقصى في العام 2000 اكثر من 1800 محل، 512 منها اغلقت والبضائع بداخلها منذ سنوات بأمر عسكري.
وعن دور غرفة تجارة وصناعة الخليل في مساعدة التجار في البلدة القديمة قال الحرباوي ان الغرفة تمثل التجار، الا ان القطاع الخاص لا يقوى على معالجة اشكالية مستمرة منذ ما يزيد عن 20 عاما وخسارة تفوق قدرة القطاع الخاص على تحملها".
واشار الى ان اصحاب المحال التجارية في البلدة القديمة يرفضون بيعها او تأجيرها خوفا من تهويدها بالرغم من المحاولات الاسرائيلية لشرائها مقابل اي سعر يطلبه التاجر.
يشار الى ان مساحة البلدة القديمة لا تزيد عن 5 كم2 محاط بستة بؤر استيطانية واكثر من 122 حاجزا وبوابة اسرائيلية.
يذكر ان ان عدد سكان البلدة القديمة يصل لـ 6300 نسمة وتقوم محافظة الخليل بمنح 1868 محل دفعات مالية كل اربعة شهور، بمجموع دفعات يصل الى مليون و400 الف دولار اميركي سنويا.
وتقول المحافظة إنها قامت بتشكيل لجنة ميدانية من عام 2010 لمتابعة شؤون محلات ومنازل البلدة القديمة من خلال تقديم مساعدات للمتضررين من اعتداءات الاحتلال والمستوطنين و"تم خلال العام المنصرم مساعدة اكثر من 202 متضرر من الاعتداءات". وفقا لمهدي مرعب مستشار محافظ الخليل.
ولفت الى انه يتم اعفاء المواطنين واصحاب المحلات التجارية في البلدة القديمة من المياه حتى 7 متر، والكهرباء حتى 100 كيلو شهريا وتوفر لجنة الاعمار سكنا مجانا للعاملين في البلدة القديمة بالاضافة الى اعادة اعمار وتأهيل اكثر من 1020 منزلا.
واعتبر ان الوضع السياسي غير المستقر بسبب المواجهات بين الحين والآخر في البلدة القديمة، بالاضافة الى منع الاحتلال تقديم خدمات أمنية هناك سبب في تراجع الحركة التجارية، موضحا ان اسرائيل تمنع عودة العديد من التجار للعمل في البلدة القديمة وتهددهم بسحب التصاريح وتعطيل عملهم وتاخير بضائعهم .
بدوره يؤكد القائم باعمال مدير عام جنوب المحافظات الشمالية في وزارة السياحة احمد الرجوب، ان وزارة السياحة تضع الخليل ضمن اولوية الوزارة لتنشيط الحركة السياحية فيها لأثرها على الحركة الاقتصادية.
ويوضح: "الوفود السياحية التي تصل الخليل قليلة وتقدر 100 الف سائح اجنبي وفلسطيني، تشكل السياحة المحلية 30 % فقط في مختلف المحافظات الفلسطينية، ولا يتجاوز زوار مدينة الخليل 10 % من مجموع زوار بيت لحم سنويا".
وقال ان وزارة السياحة وبالتعاون مع لجنة اعمار الخليل "عملت على افتتاح اكثر من مؤسسة للجذب السياحي، وافتتاح حمام ابراهيم عليه السلام ومعصرة زيتون وبصدد اعادة افتتاح معصرة مهجورة منذ ستينات القرن الماضي لتكون مركزا للزوار والسياحة الوافدة"، مشيرا الى ان العمل جار على افتتاح محطة للباصات السياحية ينزل فيها السياح في السوق القديم وتتيح لهم فرصة مشاهدة المنتوجات والبضائع في البلدة القديمة.
وتابع: "هناك خارطة سياحية لمدينة ومحافظة الخليل ستصدر خلال الشهرين القادمين، بالاضافة الى يافطات توضح مواقع الاماكن السياحية المختلفة في الخليل"، معتبرا ان ضعف البنية التحتية السياحية وضعف الامن بسبب السيطرة الاسرائيلية في البلدة القديمة حال دون تطورها سياحيا. واشار الى ان الوزارة بالتعاون مع مؤسسة جايكا اليابانية بصدد تدريب 30 من الادلاء السياحيين وستكون الاولوية للبلدة القديمة، داعيا المواطن الفلسطيني والسياح العرب والاجانب الى زيارة الخليل التي تتوفر فيها العديد من الاماكن الاثرية الاسلامية والمسيحية.