مذبحة الدوايمة: حضور الجرح وغياب الذكرى!
تقع الدوايمة قرية قع غرب الخليل على بعد 24 كيلومتراً، وبلغ عدد سكانها عام 1945 حوالي3,710 نسمة. فيما ترتفع نحو 350 متر عن سطح البحر، ويحيط بها أراضي قرى اذنا ودورا والقبيبة وبيت جبرين وعرب الجبارات.
وهي مدينة قديمة، أطلق عليها الكنعانيون اسم "بُصقة" أي "المرتفع" وذكرت بهذا الاسم في العهد القديم، نزلت بها بعض الحملات الصليبية في العصور الوسطى وأطلق عليها الصليبيون إسم "بيتا واحيم". ويعود تسمية القرية بهذا الاسم إلى القرن الرابع عشر الميلادي، وسبب تسميتها هو تخليدا لذكرى رجل صالح سكنها اسمه "علي بن عبد الدايم بن أحمد الغماري، والذي يرجع نسبه إلى العالم الجليل عبد السلام بن مشيش والذي يعود نسبه إلى الإمام علي بن أبي طالب.
وفي الساعة الحادية عشرة قبل منتصف ليل 28 تشرين الثاني (أكتوبر) 1948، ارتكبت كتيبة الكوماندوز 89 التابعة لجيش الاحتلال والتي تألفت من جنود خدموا في عصابتي شتيرن والآرغون الصهيوينة، وبقيادة موشيه دايان مجزرة رهيبة ضد سكان الدوايمة، وقد ظلت تفاصيل هذه المجزرة طي الكتمان، إلى أن كشفت عنها لأول مرة مراسلة صحيفة حداشوت الإسرائيلية خلال شهر أيلول عام 1984 .
وقتها، جاءت هاجمت عصابات الاحتلال القرية في البداية من الجهه الغربية، ثم توزعت الآليات إلى ثلاث مجموعات، الأولى اتجهت نحو الجهة الشمالية للقرية، والثانية نحو الجنوبية، والثالثة نحو الطرف الغربي، وتركت الجهة الشرقية مفتوحة.
ثم بدأت عملية إطلاق النار وتفتيش المنازل منزلاً منزلاً، وقتل كل من يجدوه، صغيراً كان أم كبيراً، شيخاً أم امرأة ، ثم نسفوا بيت مختار القرية، وفي الساعة العاشرة والنصف من صباح يوم 29 أكتوبر، مرت المصفحات الإسرائيلية بالقرب من مسجد الدراويش ، وكان في داخله حوالي 75 مسناً يستعدون لأداء الصلاة، فقتلوا جميعاً بالمدافع الرشاشة.
وبعد ظهر اليوم نفسه اكتشفت القوات المهاجمة المغارة الكبيرة "طور الزاغ" التي لجأ إليها ما يزيد عن 35 عائلة واحتموا داخلها، فأخرجوهم وأطلقوا عليهم النيران وحصدهم جميعاً قتلى عند مدخلها.
وعند ساعات الليل تسلل بعض سكان القرية إلى منازلهم ليأخذوا بعض الطعام والملابس، فعمد الصهاينة إلى قتل كل من يضبط عائداً إلى القرية. أما في سوق القرية قتلوا عدة أشخاص ثم جمعوا جثثهم وأضرموا فيها النيران حتى تفحمت.
كان العديد من الضحايا هم من أبناء القرى المجاورة الذين شردوا إلى القرية بعد سقوط قراهم في أيدي الغزاة الصهاينة، وأبيدت بعض العائلات بأكملها، وأجبر الأسرى على حمل جثث الضحايا وإلقائها في آبار مهجورة، وقد حطموا رؤوس الأطفال بالهراوات أمام أمهاتهم ثم قاموا بقتل الأمهات، واعتدوا على النساء أمام ذويهن دون أن يعبئوا بصياحهم واستنجادهم.
وأكدت الإحصاءات التي أجمع عليها الفلسطينيون والأمم المتحدة وجيش الاحتلال أن عدد شهداء مذبحة الدوايمة كان بين 700 إلى 1000، هذا غير من كانوا يحاولون التسلل للقرية لأخذ أمتعتهم وطعامهم بعد أيام من حصول المجزرة، وقد كان الإحصاء كالتالي:
- 580 شهيدا أول يومين من المذبحة (منهم 75 شخصاً معظمهم من كبار السن في المسجد).
- 110 شهيدا ممن كانوا يحاولون الدخول للقرية لأخذ متاعهم وطعامهم.
- 3 من 9 أسرى تم قتلهم في المعتقلات الصهيونية.
وقد حاولت إسرائيل طمس معالم وتفاصيل تلك المجزرة، حيث صدرت الأوامر بدفن القتلى في قبور جماعية والتعتيم الإعلامي على تفاصيل المجزرة ومنع التحقيق فيها.
ووصف أحد جنود العدو الذين نفذوا هذه المجزرة، ما شاهده بقوله " لقد قتل نحو 80 إلى 100 عربي من الذكور والنساء والأطفال، وقتل الأطفال بتكسير رؤوسهم بالعصي، ولم يكن ثمة منزل بلا قتلى، وقد أمر أحد الضباط بوضع امرأتين عجوزين في بيت، وفجر البيت على رأسيهما ".
وتباهى أحد الجنود القتلة بأنه اغتصب امرأة من القرية ثم أطلق النار عليها، وتبجح أحد الجنود أمام زملائه قائلاً "لقد اغتصبت امرأة عربية قبل أن أطلق عليها النار"، وآخر أجبر إحدى النساء على نقل الجثث ثم قتلها هي وطفلها، وآخرون أخذوا ثلاث فتيات في سيارتهم العسكرية ووجدن مقتولات في أحد أطراف القرية.
واستخدمت إحدى نساء القرية وعلى يديها طفل رضيع، في تنظيف المكان حيث كان الجنود يأكلون، وفي نهاية الأمر أطلقوا عليها النار وعلى طفلها الرضيع فقتلوهما، كما أطلقوا النار على طفل يرضع من صدر أمه فاخترقت الرصاصة رأسه وصدر أمه فقتلتهما والطفل يلثم الثدي، وبقايا الحليب تسيل على جانبي فمه.
المؤرخ الصهيوني بني موريس يقول في تعليقه على هذه المذبحة "لقد تمت المجزرة بأوامر من الحكومة الإسرائيلية، وأن فقرات كاملة حذفت من محضر اجتماع لجنة حزب المابام عن فظائع ارتكبت في قرية الدوايمة، وأن الجنود قاموا بذبح المئات من سكان القرية لإجبار البقية على المغادرة".
وقال أحد الإسرائيليين وهو أهارون كوهين "تم ذبح سكان قرى بأكملها، وقطعت أصابع وآذان النساء لانتزاع القطع الذهبية منها".
وقال الحاخام الصهيوني يوئيل بن نون "إن الظلم التاريخي الذي ألحقناه بالفلسطينيين أكثر مما ألحقه العالم بنا". فيما أكد أحد قادة حزب المابام الصهيوني وهو إسرائيل جاليلي إنه شاهد مناظر مروعة من قتل الأسرى، واغتصاب النساء، وغير ذلك من أفعال مشينة.
وبعد نكبة عام 1948 وتهجير سكان القرية العرب منها، أقيم على أنقاضها عام 1955 مستعمرة أماتزياه اليهودية، وسميت بهذا الإسم نسبة إلى "أمصيا" أحد ملوك المملكة اليهودية الذي امتد حكمه من سنة 800 وحتى سنة 783 قبل الميلاد ومن جرائمه قتله لعشرة آلاف "آدومي" وسبي عشرة آلاف آخرين جنوب البحر الميت وأتى بالأسرى إلى البتراء شرق نهر الأردن وأمر بطرحهم من فوقها فماتوا جميعا.
اجرت الف استطلاعاً قصيراً ، ويطلب من شبان توقع السنة التي حدثت فيها المجزرة وعدد ضحاياها.
يقول أكرم: وقعت خلال النكبة، وسقط فيها 60.
تكمل مي: حدثت العام 1948، ولا أعرف عدد الضحايا، غير إنني سمعت مرة أنهم مئة.
تتوقع صفاء أن يكون العدد 50 شهيداً، لكن مروان يقول إن جده أخبره بقصة المجزرة، وأن العدد كان وصل إلى نحو ألف.
وتظن غدير أن شهداء الدوايمة بالعشرات! أما ميرفيت، وهي صحافية، فتقول إنها لم تسمع بالمذبحة، ولا تعرف عدد ضحاياها. ويفيد فوزي بأنه سمع بالدوايمة ومذبحتها، لكنه نسي عدد الذين سحقهم الاحتلال خلالها.