ديمقراطية العنصرية -غازي السعدي
عندما ينص القانون الإسرائيلي الأساسي على التمييز والتفرقة العرقية ضد المواطنين العرب، فلن نتوقع أن تتحقق العدالة والمساواة، في حقوق المواطنين العرب داخل الخط الأخضر، الذين يزيد عددهم عن20% من مجموع سكان إسرائيل، فالقانون الأساسي ينص على أن إسرائيل هي الدولة القومية للشعب اليهودي، الذي سيعاد تأكيده من قبل الكنيست في هذه الأيام، حتى أن المحكمة الإسرائيلية العليا، أصدرت قراراً صريحاً يقول: أنه لا يمكن منع المواطنين العرب داخل الخط الأخضر، من شراء الأراضي خاصة للبناء في المدن المختلطة، ومع ذلك يُمنع المواطنون العرب من حق الشراء، إذ أن صيغة القوانين بقيت إقصائية، فمفهوم الدولة القومية الذي يعرّفها القانون، يتعارض مع الادعاءات بديمقراطية إسرائيل، وأكبر مثال على ذلك، إعطاء الحق في تنفيذ حق تقرير المصير في أرض فلسطين التاريخية، للشعب اليهودي فقط، وحرم الفلسطينيين من حق تقرير مصيرهم حسب القانون الإسرائيلي.
في إسرائيل نحو (50) قانوناً عنصرياً تطال المواطنين العرب داخل الخط الأخضر، ومن هذه القوانين: قانون أملاك الغائبين الذي أخذ يطبق في القدس الشرقية، وقانون استملاك الأراضي الفلسطينية، وقانون النكبة الذي يمنع الاحتفالات والتظاهر لتذكير الفلسطينيين والعالم في نكبتهم، وقانون يمنح الشرعية للنقاط الاستيطانية العشوائية التي وعدت إسرائيل الإدارة الأميركية منذ عام 2004 بإزالتها، وقانون يصادر حق الفلسطينيين في استعادة أراضيهم التي استولى عليها المستوطنون، وتعديل قانون الجنسية لمنع جمع شتات العائلات الفلسطينية وجدار الفصل العنصري الذي التهم أراضي ومزارع واسعة، وقانون يقيد ويمنع رفع الآذان عبر مكبرات الصوت في المساجد، وقانون تجفيف المساعدات عن المنظمات اليسارية المناصرة لحقوق الفلسطينيين، وقانون "ديراني" لمنع تقديم دعاوى قضائية لمواطنين برفع قضايا تعويضات عن الأضرار التي لحقت بهم بسبب ممارسات إسرائيل، ومشروع قانون لاعتبار اللغة العربية بأنها ليست لغة رسمية، وقانون لمعاقبة كل من يدعو لمقاطعة إسرائيل ومنتجاتها، ومشروع قانون لضم الضفة الغربية للسيادة الإسرائيلية، وقانون يكبل أيدي أية حكومة من التوصل لاتفاق سلام يتضمن انسحاباً من الأراضي المحتلة، وقانون يمنع السكن للمواطنين العرب في التجمعات اليهودية، وقانون اعتبار القدس عاصمة لجميع الشعب اليهودي في العالم، وقائمة القوانين العنصرية، والمستجدات في إصدار قوانين أخرى طويلة جداً، فهذه القوانين، ومجرد الاحتلال الإسرائيلي للأراضي الفلسطينية، التي تعطي الحق للفلسطينيين بالتصدي لها، تعتبره إسرائيل تحريضاً ويمنع مجرد الاحتجاج السلمي عليها، بينما الاحتلال وهذه القوانين العنصرية هي التحريض بعينه. لقد ارتفعت حصيلة انتهاكات الاحتلال في الضفة الغربية، من اغتصاب للأراضي الفلسطينية، وقلع وحرق وتدمير وتجريف للشجر والزرع وهدم المنازل، إلى جانب الاعتداءات وتعمد قتل الفلسطينيين وأبرز الاعتداءات وقعت على المسجد الأقصى، في محاولة لتقسيم الصلاة فيه بين المسلمين واليهود، وحملات المداهمة والتدنيس من قبل المستوطنين وغير المستوطنين، وعمليات ترحيل البدو في النقب، وفي مناطق الضفة الغربية للاستيلاء على أراضيهم، فقد جاء في تقرير لمنظمة حقوقية يهودية تدعى "يش دين"-أي يوجد قانون- أنها تابعت (1045) شكوى تقدم بها الفلسطينيون منذ عام 2005 وحتى عام 2014 ضد المستوطنين، وأن 92% من هذه الشكاوى، أغلقت ملفاتها تحت مزاعم عدم العثور على المعتدين، لأن سلطات الاحتلال لا تبذل جهوداً للعثور عليهم ومحاسبتهم، بل أنها توفر غطاءً لاعتداءاتهم، وتشجعهم على المضي في شن هذه الاعتداءات، إذ أنها أصبحت السياسة الرسمية للحكومات، دون الإعلان أو الاعتراف بهذه المسؤولية، فقد كشفت جمعية حقوق المواطن داخل الخط الأخضر النقاب عن وجود جهاز قضائي مدني خاص بالمستوطنين، وآخر عسكري للفلسطينيين، يهدف إلى تمييز منهجي ليس فقط بالأحكام، بل يشمل كافة نواحي الحياة، ففي إحصائية نشرتها جريدة "هآرتس 20-6-2015" تبين أنه في السنوات الأربع الأخيرة، أقدمت عصابات المستوطنين، على إحراق (17) مسجداً وكنسية، هذه الإحصائية لا تشمل الاعتداءات الأخيرة على الأماكن المقدسة الإسلامية والمسيحية، وبخاصة كنيسة "الطابغة" شمال بحيرة طبريا، فـ "نتنياهو" زعم في بيان له أن إحراق كنسية "الطابغة" المباغت الباعث على الصدمة، هو هجوم علينا جميعاً، وأن "حرية العبادة في إسرائيل هي واحد من الحجارة الأساس لقيمنا، محمية في القانون"، فماذا فعل "نتنياهو"؟ لم يتم اعتقال الجناة، ولم يتم تقديم أي مستوطن للمحاكمة، فالأجهزة الأمنية النشيطة جداً ضد الفلسطينيين، اكتفت باعتقال بعض المشتبه بهم، لكن سرعان ما أطلقت سراحهم. إن إسرائيل تعمل على تطبيق الأسس لسياسة الفصل العنصري الزاحف، لتهويد البلاد، المتمثل في الاستيلاء على أراضي الفلسطينيين، فعملية الاستيطان دائمة وراسخة في الذهن الإسرائيلي، أما الاحتلال العسكري فإنه مؤقت، وأن استيطان أكثر من (600) ألف يهودي في الضفة الغربية بسلبهم أراضي الفلسطينيين، هو استعمار دائم، وليس احتلال زائل حسب المفاهيم الإسرائيلية، وأن ما يجري داخل الخط الأخضر، في محاولة لاقتلاع بدو النقب من أراضيهم، وتجميعهم في غيتوات لنهب عشرات آلاف الدونمات من أراضيهم، وتحويلها إلى مستوطنات وقواعد عسكرية لدليل على ذلك، فالاستيطان باطل وفقاً للقانون الدولي، وأن التغييرات الديمغرافية تتزايد، إذ أن إسرائيل أصبحت أكثر تطرفاً ويمينية، وأقل ديمقراطية حتى بين اليهود، وقد أصبح الحراديم اليهود يمتلكون أكثر من 10% من السكان وبسبب قوة الأحزاب الدينية، واليمين الإسرائيلي المتمثل بحزب الليكود، فإنه من غير المتوقع، أن تقر الكنيست أية تسوية مع الفلسطينيين، أنها أكثر دينية، وأكثر يمينية وعنصرية، وأن الجيش الذي عليه أن يتحمل مسؤولية حماية المواطنين تحت الاحتلال، يحمي المعتدين اليهود، فنائب الكنيست العربي "محمد بركة"، في خطابه أمام الكنيست، وبحضور "نتنياهو" خاطبه بالقول:" أن قوانينك وضعت إسرائيل مكان جنوب إفريقيا في عهد الأبرتهايد ولكن لا حياة لمن تنادي. إن إسرائيل تطلق على الضفة الغربية اسم "يهودا والسامرة" استفزاز للفلسطينيين، في محاولة لتهويدها وفرض سيادتها عليها، فالحكومة أجازت تسليح المستوطنين، الذي يطلقون النار ويقتلون الفلسطينيين وينكلون بهم، دون حساب وعقاب، وبحماية الجيش الإسرائيلي الذي يعترف أن وجوده في الأراضي الفلسطينية لحماية المستوطنين، ولا يتدخل في حماية الفلسطينيين المعتدى عليهم، ليؤكد السياسة الممنهجة للحكومة الإسرائيلية في الاعتداء على الفلسطينيين وممتلكاتهم لحملهم على الرحيل، فإسرائيل تريد الأرض بلا مواطنين عرب. في مطلع عام 2015، تم بناء كنيس يهودي على أراضي فلسطينية في الخليل، بالقرب من مستوطنة كريات أربع، والمضحك أن مجلس المستوطنة، يطالب أصحاب الأرض التي أقيم عليها الكنيس، بدفع (88.200) ألف شيكل ضريبة مسقفات، للأرض التي استولوا عليها بالقوة، فأصحاب الأرض هما: عبد الكريم الجعبري، وزيدان الجعبري، رفعوا قضية أمام المحكمة العليا في القدس، ضد إنشاء كنيس على أرضهما، الواقعة خارج مسطح كريات أربع، فقد مضى على الشكوى أشهر طويلة، والمحاكم الإسرائيلية تطحن ببطئ في الشكاوى الفلسطينية، فلا جواب ولا قرار وأصحاب الأرض ينتظرون "العدالة" إن وجدت، فالإجراءات والتفنن في مصادرة الأراضي العربية عديدة، فالحكومة الإسرائيلية صادرت أكثر من مليون دونم في الضفة الغربية، خلال سنوات التسعينات وحتى اليوم، إضافة إلى الأراضي التي صودرت قبل ذلك، والذرائع أنهم بحاجة للأرض للرماية والتدريبات والمناورات العسكرية، حتى أنه تم خلال الأشهر الأخيرة مصادرة (35) ألف دونم بنفس الذريعة، فذريعة الأمن والتدريبات العسكرية ليست جديدة، وهذه الذرائع تختفي بعد حين وتحول هذه الأراضي لإقامة المستوطنات، والجديد أن الاحتلال الإسرائيلي قام بتحويل هذه الأراضي وتسجيلها كأراضٍ إسرائيلية. وهناك مهزلة أخرى من بين مهازل كثيرة، ففي عام (2008) أقام المستوطنون مستوطنة أعطيت اسم "عمونة" على أراضي ملكية فلسطينية خاصة، بالقرب من رام الله، فأصحاب هذه الأرض رفعوا قضية أمام المحكمة الإسرائيلية العليا، لعلهم يجدوا العدالة، فأمهلت المحكمة سلطات الاحتلال بهدم هذه المستوطنة خلال سنتين، وإعادة الأرض إلى أصحابها حتى نهاية عام 2012، لكن المستوطنين لم يستسلموا، فقد زوروا أوراقاً أنهم اشتروا الأرض المقامة عليها مستوطنتهم، فأعطت المحكمة مهلة أخرى لهدمها، حتى شهر كانون أول من عام 2012، لكنهم لم ينفذوا قرار المحكمة، وللالتفاف على قرار المحكمة، أصدر قائد القطاع الأوسط في الجيش الإسرائيلي اللواء "روني نوما" في نهاية الشهر الماضي، أمر للاستيلاء على جزء من أراضي المستوطنة، خلافاً لقرار المحكمة، وإعادة الأرض إلى أصحابها، تحت ذريعة إقامة هوائيات للجيش الذي لا يطبق القانون، أمام اعتداءات المستوطنين، حتى أن نائب وزير الجيش، يمنن فلسطينيي الداخل، بمنحهم بطاقات الهوية، ويهدد من يعترض على القوانين والإجراءات الإسرائيلية، بسحب بطاقة الهوية، ونائب وزير الداخلية يطالب بترحيل العائلات من وطنهم، رداً على قيام أحد أفراد العائلة بالتصدي للاحتلال الإسرائيلي. وهذا يقودنا إلى التأكيد، بأن إسرائيل لا هي ديمقراطية، ولا دولة قانون كما يزعمون، وما أوردناه من وقائع غيض من فيض، يحتاج إلى كتاب أسود، يوثق جميع التجاوزات الإسرائيلية والمعاناة والعذاب اليومي الذي يعيشه الفلسطينيون ونشره في العالم.