في الذكرى الأولى للعدوان على غزة: قصص من الحرب [4]
- عشرون شهيداً في أقل من عشرين ثانية، فكيف نجت سندس؟
خالد جمعة
'أما سندس، فقد نجت، ولكن كيف، لقد طارت مع الانفجار مسافة خمسين متراً لتسقط على تلة رملية وتبدأ في البكاء لعدة ساعات قبل أن يعثر عليها حيةً، صهيب ومنة نجوا، ولكن ماذا يعني الفعل نجا هنا، بالتأكيد أنه ليس المعنى الذي في القاموس'.
أعرف عائلة ظهير في رفح، وعملت في بلدية رفح مع الكثيرين منها، وكان ضيف الله ظهير معلم اللغة العربية في المدرسة الإعدادية المعلم الأقوى حضوراً في ذاكرتي، هم من أهل رفح الأصليين، وأعني أنهم لم يكونوا لاجئين، بل لجأ الذين هجّروا عام 1948 إلى رفح، وسكنوا بيوتَ العائلات المقيمة في رفح، ماضي والنحال وظهير وقشطة وزعرب وغيرها، وحتى عام 1951 لم تكن فكرة بناء المخيمات قد طرحت بعد، فكانت السنوات الثلاث بين 1948 و1951 خير دليل على تلاحم الشعب الفلسطيني حين احتضنت هذه العائلات اللاجئين الفلسطينيين قبل أن تهتم بهم وكالة الغوث بشكل عملي. يبلغ تعداد عائلة ظهير عشرة آلاف تقريباً، يتركز اغلبهم في مدينة رفح في منطقة مصبح خصوصاً.
حي الزهور في مدينة رفح، حي جديد نسبياً، ومن ضمن عمائره كانت تقوم تلك البناية المؤلفة من ثلاثة طوابق، التي يسكنها علي ضهير وباقي أفراد أسرته، علي يعمل في مصلحة بلديات الساحل ـ يا للإرهاب، علي نجا فقط لأنه كان في صلاة الفجر حين حدثت المأساة.
أسرة علي نجت من استهداف سابق بجوار منزلها، حين استهدف بقذائف المدفعية، والمدفعية مسألة حظ لأنها لا تصوَّب بدقة، أما طائرة الأف 16، فالحديث يدور عن تقنية أخرى، متطورة، دقيقة، بلا قلب ولا عيون...
قال لي صديق من رفح، إن المسافة بين التحذير والقصف، جعلت أسرع أفراد العائلة يصل إلى بيت الدرج حيث عثر عليه هناك شهيداً، أتمت الطائرات عملها، وقصف البيت بصاروخ من وزن طن، ألف كيلو غرام على بيت يسكنه خمسة عشر طفلاً غير البالغين.
زوجة علي ظهير الحامل في أشهرها الأخيرة، نقلت إلى المستشفى الأوروبي لخطورة الحالة، وبعد ساعات تستشهد الزوجة، بعد استشهاد والدته تركية خليل ظهير في السابعة والستين، وشقيقه عزت ظهير ابن الرابعة والعشرين وكان يعمل صحفياً، فأصبح هو خبراً، واستشهدت أيضاً ياسمين احمد ظهير ابنة الرابعة والعشرين، وابنتها تسنيم محمد ظهير ابنة الأعوام الثلاثة، ووفاء عبد الرازق ظهير ابنة الرابعة والعشرين، وعمر سلامة ظهير ابن الثامنة والثلاثين، وابنته مارى التي لم تتجاوز الثالثة عشرة، وعمر ابن الخمسة أعوام، وحمادة ابن الحادية عشرة، ومؤمن عمر ظهير الذي كان في العاشرة، وغيداء عمر ظهير ابنة السابعة، وريما عبد العزيز ظهير في الثانية والثلاثين، ومحمود ظهير في الثامنة والأربعين، وزوجته جمالات في الثامنة والثلاثين، وبناته شروق ابنة الحادية والعشرين، وعلا التي كانت في التاسعة عشرة، وأروي ابنة السابعة عشرة، وسلامة ابن الثالثة عشرة، ومحمد محمود ظهير ابن الثامنة.
تطاير الشهداء، وبعد دفن عشرة منهم، عادت العائلة للبحث عن بقيتهم تحت الركام، بين الأشجار، حتى مساء اليوم التالي، إلى أن تم تهديد منزل مجاور، فانسحبوا مع الآليات، وعادوا بعد قصف المنزل المجاور ليواصلوا البحث، يومان كاملان يتناوب شباب العائلة في البحث عن شهداء أو ناجين، أو قطع منهم، إلى أن عثر على بقية الشهداء في اليوم الثاني من البحث وتم تشييعهم من جديد.