"بيع السحر" .. على المكشوف
بشار دراغمة
في شارع حيوي في مدينة نابلس، تنتشر عدة مكاتب على جانبي الطريق وثُبت على عدد منها لوحات تؤشر إلى مهنة أصحابها بشكل علني، وكُتب على إحداها "مكتب لعمل التوفيق وفك السحر وجلب الخير".
تلك المكاتب تعمل بشكل علني ودون مضايقات من أحد، في وقت تعتبر فيه ممارسة أعمال السحر والشعوذة ممنوعة بموجب القانون وتتم محاسبة ممارسيها، إلا أن العاملين في هذه المكاتب يحظون بخصوصية كونهم ينتمون للطائفة السامرية وهي الطائفة الأصغر في نابلس.
حاولنا طرق أبواب كثيرة للحديث مع العاملين في تلك المكاتب، الكل يرفض ومجرد أن يعرف أن الزائر هو صحفي ويريد كتابة تقرير وليس زبونا يريد فك سحر أو "عمل حجاب وغيره" يجن جنون صاحب المكتب ويرفض الحديث معنا ويعتبر أننا نريد "قطع رزقه" واستهدافه.
المحاولات لم تتوقف، والفضول يزداد لدخول هذا العالم واكتشاف جزء من خبايا المهنة، ليتضح لاحقا أن الولوج في هذا الأمر يشبه التيه في دهاليز لا تؤدّي إلا إلى مزيد من الغموض والتناقضات وأحيانا تنهال علينا الشتائم.
والغريب في القضية أنها مكاتب تعمل بشكل علني لكنها تعتبر وسائل الإعلام عدوا لها.
ازداد اصرارنا على الدخول لهذا العالم عندما قال لنا مصدر كبير في الطائفة السامرية وله ثقله الديني "ان بعض ممارسي هذه الأعمال يستغلون الناس وللأسف المواطنون يصدقون ويدفعون الأموال لهم مقابل الحصول على خدماتهم، فنحن لا نؤمن بالسحر والفتاحة بالكف والمندل واخراج الجن من الجسد، لكن ما هو قائم في في كتب الفلك هو الفتاحة عن طريق الفلك والسؤال عن الاسم واسم الأم، او اسم الزوج او الزوجة، ونحن نفتح للمرض وفشل الزواج او خسارة في العمل ولا شئ آخر من اعمال الشر أو غير ذلك".
الشرطة عندما توجهنا له قبل فترة عبر اتصال هاتفي للاستفسار عن الموضوع كان الجواب "لا نعرف بالضبط طريقة عمل هذه المكاتب وإذا ما كانت مرخصة أم لا كون اجراءات الترخيص وغيرها تتم من خلال البلدية".
ويوضح مدير العلاقات العامة في شرطة نابلس المقدّم رائد أبو غربية أن هذا الموضوع لا يدخل من ضمن اختصاص الشرطة، وهي تصبح قضيّة اختصاص، إذا رفعت شكاوى أو صدرت أوامر من النيابة العامة بهذا الشأن.
واصلنا طرق الأبواب البعض كان يعتذر عن الحديث، فيما هدّد آخرون زميلتنا المصوّرة نور حميدان بـالضرب عندما حاولت التقاط صورة للافتات المكاتب.
عندما طرقنا باب الكاهن، "أبو عاطف"، كان يتحدّث إلى إحدى زائراته التي يقدّم لها "العلاج". رفض إطلاعنا على التفاصيل لعدم إحراج "الزبونة". لكنه، وافق على التحدّث إلينا بعد محاولات عدّة، مشترطاً علينا العودة في اليوم التالي.
يرفض أبو عاطف تصنيف الأعمال التي يمارسها بالسحر والشعوذة، قائلا ان كل ما يقوم به هو في إطار الخير ولا يتدخّل في أمور الشرّ، مشيرا إلى أنه يمارس "هذه المهنة منذ عشرات السنوات، وخبرتي طويلة. والكل يشهد لي بالخير".
ويوضح أن المهام التي يقوم بها هي "حلّ المشاكل وفكّ السحر والتوفيق بين الأزواج المتخاصمين".
ويضيف أن كل هذا يتمّ من خلال "الجلابة والجذابة". لكنه يرفض توضيح المقصود بهذا المصطلح، ويعتبره سراً من "أسرار المهنة" والطريق التي يسير فيها لإنجاح أعماله. ومن بين الأمور التي يتولّى "علاجها"، يكشف أبو عاطف عن "الكنوز الدفينة" وينجح في تخليص الناس من "المسّ والجنّ".
ويشير إلى أن قاصديه "لا يُصنَّفون في فئات محدّدة. فتجد منهم الشاب والعجوز، ومن الجنسَين على حدّ سواء". ويلفت إلى أن "بعض هؤلاء هم من حملة الشهادات العلميّة العليا، إلى جانب آخرين غير متعلمين. لكن الكلّ يأتي إلى هنا، الغنيّ والفقير".
ويكشف أبو عاطف أن شخصيات مرموقة زارت مكتبه أيضاً ولجأت إلى خدماته، متحفظاً على ذكر أسمائهم.
ويضيف أن قاصديه "ليسوا فقط من فلسطين، بل ثمّة أشخاص يأتون من دول مختلفة. وثمّة من يطلب خدماتي في السعوديّة ومختلف دول الخليج والمغرب والأردن ومصر وغيرها".
ويلفت إلى أن عدد العاملين في هذه المهنة قليل جداً، رافضاً أن يُصنّف من ضمن من يمارسون السحر والشعوذة في السرّ، ويرى أن عدداً كبيراً منهم "دجّالون".
ويتابع أن "السبب الرئيسي لنجاحنا يعود إلى قلّة عددنا في المناطق المختلفة وتأثيرنا بين الناس. وأنا أعتمد الدعاية والإعلان للترويج لنشاطي".
بالنسبة إلى أبو عاطف، فإن أعماله "خيريّة". وهو يرفض تحديد أجر لقاء "حلّ المشاكل"، ويترك الباب مفتوحاً أمام مراجعه لدفع "ما تجود به نفسه".
ويقول: "تحديد التكاليف من الكبائر وكل ما آخذه هو ثمن ما أقوم بتحضيره. أما الأجر فهو متروك لمن يقصدني، ليدفع ما يشاء. وأنا لا أعترض على أي مبلغ، فأنا لا أقترب من الكبائر". ويلفت إلى أن الدفع يكون بعد نجاح "العمل" وليس قبله.
طلبنا من أبو عاطف التحدّث عن حالات غريبة صادفها. فأخبرنا عن امرأة جاءت إليه طالبة الطلاق من زوجها لتتزوّج بآخرٍ تحبّه. لكنه اعتبر أن هذا من أمور "الشرّ".
يرفض أبو عاطف أن نتحدّث إلى زبائنه، ومبرّره الدائم "الحفاظ على خصوصيّتهم". فكان علينا أن نبحث بأنفسنا عن أشخاص طلبوا هذا النوع من الخدمات.
كريمة (اسم مستعار) في الثلاثين من عمرها تقول إنها قصدت أحد هذه المكاتب بهدف حلّ مشاكلها الدائمة مع زوجها، التي جعلت حياتها "جحيماً". وتقول انها دفعت نحو 500 دولار في تلك المكاتب، لكن من دون أن تلحظ تغيّراً حتى الآن في حياتها، فالمشاكل على حالها، وهي ما زالت تأمل بحلّ لمشكلتها، مبرّرة "أخبروني أن العمل يحتاج بعض الوقت".