الزكاة.. خبز الفقراء المر
ميساء بشارات - تجوب الحاجة أم صدقي في ساعات الصباح الباكر شوارع حي الجنان في مدينة البيرة، توقف المارة وتقرع أبواب البيوت طلبا لزكاة الفطر. أم صدقي امرأة من إحدى قرى محافظة رام الله والبيرة، تجاوزت الخمسين من العمر وليس لها معيل بعد وفاة زوجها. بثوب بال أسود، ومنديل ملون على رأسها، قُدّ من وسطه، توقفني وتسأل: هل أخرجت زكاة الفطر أم لا؟ وإن كان هناك مجال لمساعدتها ببعض النقود. أم صدقي حالها كحال عدد آخر من النسوة اللواتي يظهرن في شهر رمضان يتجولن على البيوت سائلات عن زكاة الفطر، وفي أحيان كثيرة يأتي أطفال يسألون الناس الزكاة. تقول أم صدقي التي رفضت إعطاء معلومات أكثر عن حالها، إنها لا تأخذ من لجان الزكاة أي نقود، أو معونة، متهمة اللجان بالتقصير وعدم معرفة المحتاج من غيره، ما يضطرها الخروج إلى الشارع وسؤال الناس رغم ما يسببه هذا لها من إحراج ومساس بكرامتها. من الناحية الأخرى، يفضل الثلاثيني محمد فايق من بلدة دير دبوان شرق رام الله، والمعيل لأسرة مكونة من 4 أفراد إخراج زكاة الفطرة وتقديمها مباشرة لمن هم بحاجة لها من دائرة المعارف والأصدقاء والأقارب أو الطلبة، عوضا عن إعطائها للجان الزكاة. ويقول فايق إن لجنة الزكاة تعطي الأموال لأناس محددين مسبقا دون دراسة ومراعاة لمن هم أولى، ويضيف: "القريب الفقير هو أولى من غيره، وإذا لم يكن لي قريب محتاجا، أبحث عن محتاج واقدمها له شخصيا، وبذلك أضمن موقع زكاتي ومن استفاد منها". ولا يتفق المواطن صلاح هنية من رام الله مع فايق، ويفضل العمل المؤسسي، لكنه يفضل تقديم زكاة العيد للأقربين الذين هم أولى بالمعروف ومن ثم تبدأ الدائرة بالاتساع. ويوضح هنية أن تفضيله نابع من كون زكاة الفطر موضوعا حساسا جدا، وليس نابعا من عدم ثقته بلجان الزكاة، فهي يجب أن تدفع قبل صلاة العيد. وكان مجلس الإفتاء الأعلى أعلن أن قيمة صدقة الفطر لشهر رمضان هذا العام، ثمانية شواقل، أو ما يعادلها بالعملات الأخرى، ومن شاء أن يزيد تطوعا فهو خير له. ويجوز تعجيل صدقة الفطر خلال شهر رمضان المبارك، ولا يجوز شرعا تأخيرها إلى ما بعد أداء صلاة عيد الفطر، فمن لم يخرجها في الوقت المشار إليه، فإنها تبقى في ذمته، وعليه إخراجها بعد ذلك، وتعد وقتها صدقة من الصدقات، والذي يؤخرها إلى ما بعد صلاة العيد دون عذر يأثم.
8 شواقل غير كافية
وتشير الشابة نجاح الجبجي إلى أن زكاة الفطر يتم إخراجها للناس الذين يستحقونها مباشرة، وفي حال كان الشخص مقتدرا يخرج أكثر من ذلك لأن الشواقل الثمانية غير كافية، ولا يستطيع الفقير شراء وجبة طعام فيها. وتوافقها الرأي الشابة سرين مهداوي تقول: "8 شواقل غير كافية لشراء وجبة طعام لتكون زكاة فطر، لأن الحياة غالية والتكاليف المعيشية مرتفعة جدا". وتقدم مهداوي صدقة الفطر لمن يراه بحاجة سواء عائلة محتاجة أو طالب غير قادر على دفع أقساطه الجامعية، ولا يثق بالمؤسسات الخيرية أو الدينية المنتشرة في الضفة الغربية فيقوم بدفع زكاة الفطر لهم لأقاربه، ليضمن وصولها الزكاة لمن يستحقونها، حسب قوله. من جانبه، يقول مدير صندوق الزكاة حسان طهبوب، إن لجان الزكاة في الضفة تتلقى حوالي 400 ألف دينار، وتعمل على إخراجها للفقراء قبل العيد. ويشير طهبوب إلى أن لجان الزكاة لا تقوم بعمل دراسة خاصة لتوزيع زكاة الفطر على المحتاجين والفقراء، وإنما تصرف 85% من صدقات الفطر التي تصل لجان الزكاة على الفقراء والمحتاجين المسجلين مسبقا لديها في العشر الأواخر من شهر رمضان، وهم حالات مدروسة وعلى كادر اللجان. بينما تخصص اللجان ما نسبته 15% لمن يسأل زكاة الفطر، ويقول طهبوب: "نحن لا نرد سائلا من باب الأخذ بالشريعة والضوابط الإسلامية". وبلغ عدد الفلسطينيين في الضفة الغربية وقطاع غزة مع منتصف العام الحالي 4.68 مليون نسمة، ولو افترضنا أن الفلسطينيين يلتزمون بدفع كل شخص زكاة فطره البالغة 8 شواقل فقط، فإن الرقم قد يصل إلى 36 مليون شيقل. ويقول الشيخ صالح معطان: "إن الأولوية في زكاة الفطر أن تعطى للأقربين، الذين يجوز الزكاة عليهم، فتكون الصدقة صدقتان ويتضاعف الأجر". وعن مبلغ الـ8 شواقل يقول معطان إن هذا المبلغ غير كاف لشراء وجبة طعام لفقير، منوها إلى أنه لا يوجد أحد يأكل الخبز الحاف. ويقوم الكثير من المواطنين بدفع مبالغ تتجاوز قيمتها قيمة زكاة الفطر المحددة شرعا، وذلك حسب مقدرتهم المالية. ويؤكد الشيخ معطان أن المهم ليس كيف نجمع المال، بل المهم كيف يوزع المال ولمن يعطى؟ فالفقير في بعض الأحيان يزداد فقرا والغني يزداد غنا نتيجة التوزيع السيئ.