ماذا تخشى اسرائيل؟
اعتبر قانونيون إسرائيليون مطالبة هيئة قضائية في المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي، المدعية العامة باتو بنسودا، بإعادة النظر في قرارها السابق عدم تقديم إسرائيل الى المحاكمة، على خلفية اعتدائها الدموي في أيار (مايو) 2010 على السفينة التركية «مرمرة» وهي في طريقها للتضامن مع قطاع غزة المحاصَر وقتل عدد من ركابها، «رسالة تحذير» لكل الإسرائيليين الذين استخفّوا بصلاحيات المحكمة الدولية من دون استبعاد أن يشكّل فتح التحقيق «تورطاً إسرائيلياً حقيقياً» مع القضاء الدولي. وكانت المدعية العامة قررت العام الماضي، أنه «على رغم أن ثمة أساساً منطقياً للاعتقاد أن إسرائيل ارتكبت جرائم حرب باعتراضها السفينة وقتل عشرة من ركابها، إلا أن كون الحادث محدود النطاق فإنه لم يشكل حدثاً بالغ الخطورة لدرجة الشروع في التحقيق فيه». لكن هيئة قضائية أصدرت تعليماتها أول من أمس، للمدعية العامة بإعادة درس قرارها، بداعي أنها تسرّعت وأخطأت في تحليلها الحادث، مشيرةً إلى أن إسرائيل قتلت عشرة أشخاص، وتسبّبت في إصابة 50 آخرين، واعتدت على حرية الفرد، وتعاملت في شكل غير إنساني مع ركاب السفينة، مثل تكبيل أياديهم لوقت طويل، ومنعهم من تناول أدويتهم، واستخدام العنف. وهاجمت إسرائيل بشدّة قرار الهيئة القضائية، واعتبره رئيس الحكومة بنيامين نتانياهو، «سياسياً سخيفاً»، وقال في بيان إن الجنود «تحركوا للدفاع عن أنفسهم وفق القانون الدولي، حين أوقفوا محاولة لاختراق حصار بحري مفروض وفق القانون الدولي». وأضاف أنه على رغم المذابح في سورية والإعدامات في إيران و «استخدام حماس الأطفال في غزة دروعاً بشرية، اختارت المحكمة الدولية الانشغال بإسرائيل لدوافع سياسية سخيفة». وتابع أنه «حيال هذا النفاق، سيواصل جنودنا حمايتنا، فيما نحن سندافع عنهم في الهيئات الدولية». وندّدت وزارة الخارجية بقرار الهيئة القضائية، وأشارت إلى أن لجنة برئاسة قاض إسرائيلي، حقّقت في الحادث بمشاركة مراقبين دوليين، كما حققت فيه لجنة أممية وكانت النتيجة أنه لم يتم انتهاك القانون الدولي، «وعليه لا نفهم سرّ إصرار المحكمة على هدر وقتها وطاقاتها بالانشغال الزائد في شكاوى قُدمت لها لاعتبارات سياسية تثير السخرية، بدلاً من أن تنشغل في الأمور التي أقيمت من أجلها: التحقيق في الفظائع الجماعية في أنحاء العالم». وصدرت مواقف مماثلة عن قادة أحزاب المعارضة أيضاً، التي نددت بـ «النفاق والتلوّن للمحكمة». وحذّر أستاذ القانون البروفيسور إيال غروس، من إسقاطات هذا القرار على شكاوى مستقبلية ضد إسرائيل بارتكاب جرائم حرب في حربها قبل عام على قطاع غزة. وكتب أن إعادة بحث الملف قد لا تؤدي بالضرورة إلى تقديم لائحة اتهام ضد إسرائيل، لكن الانتقادات التي وجّهها القضاة إلى المدعية العامة بأن إغلاقها الملف «ليس معقولاً»، خصوصاً أنها لم تقم بفحص جدّي لحادث شغل العالم وأقيمت لجان دولية للتحقيق فيه، سترغم المدعية العامة، وهي تنظر الآن في شكاوى فلسطينيين ضد إسرائيل أو إسرائيليين ضد «حماس» بارتكاب جرائم حرب في غزة العام الماضي، على أن تفحصها في شكل معمق، خصوصاً في أعقاب تقرير لجنة التحقيق الأممية التي دانت الطرفين بارتكاب جرائم حرب. وحذّر غروس من أن يحفّز قرار هيئة القضاة المدعية العامة على فتح تحقيق في مسألة الاستيطان اليهودي في الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، الذي يعتبره القانون الدولي «جريمة حرب». وختم قائلاً إن اهتمام المجتمع الدولي بالصراع الفلسطيني – الإسرائيلي، سيبرّر للمحكمة الجنائية التدخل في الشكاوى المقدمة لها، «وأعتقد أن هذه الإجراءات تؤشر إلى أن تورّط إسرائيل قضائياً وديبلوماسياً مع المحكمة ما زال في بدايته». يُذكر أنه في 31 أيار (مايو) 2010، تعرّض أسطول نظّمته جمعية تركية، لهجوم حين كان في المياه الإقليمية، من فرقة كوماندوس إسرائيلية، وهو في طريقه الى قطاع غزة الخاضع لحصار إسرائيلي. وقُتل تسعة أتراك على متن سفينة «مافي مرمرة» في الهجوم، وتوفي تركي عاشر لاحقاً متأثراً بجروحه، ما أدى الى تدهور العلاقات الديبلوماسية بين تركيا وإسرائيل. وتشكّل الأسطول من ثماني سفن نقلت 70 راكباً من حوالى 40 بلداً، وسعى الى نقل مساعدات الى غزة ولفت أنظار المجتمع الدولي الى عواقب الحصار.
"الحياة" اللندنية