عبارات فيسبوكية تتحوّل إلى كرامات بعد استشهاد أصحابها
- عبارات الشهداء في الصور قبل استشهادهم في صفحات التواصل الاجتماعي
رحمة حجة- ماذا لو متّ فجأة؟ قد يخطُر في بال معارفك وأصدقائك الولوج إلى حسابك في "تويتر" أو "فيسبوك" للبحث –ربما- عن إشارات لاقتراب موتك، أو كراماتٍ يعيدون نشرها في صفحاتهم حزنًا على فراقك.
سؤال آخر، ماذا لو كُنتَ شهيدًا؟ تخيّل كم ستبدو كلماتك أهم وذات تأثير أوسع، إذ يتداولها بَعدك كثيرون. وبات التفتيش في حسابات الشهداء "الفيسبوكية" عادة لدى الكثيرين، الذين يسارعون لوضع اسمه في خانة البحث، أو ربما يحصلون عليه صدفة، وهو الشيء الذي تلهث خلفه وكالات الأنباء أيضًا، لتصنع منه عناوينها التي تصوغها غالب الوقت "ماذا كتب ... قبل استشهاده؟ ما هي آخر كلمات الشهيد.. في فيسبوك؟".
وأحيانًا تصيب القارئ والمتصفح لكلمات الشهداء الأخيرة قشعريرة لشدّة تأثيرها، وربما تُبكيه، ويغدو أقرب إلى حياتهم التي كانت بعيدة قبل أن يعلم بنبأ الاستشهاد. يقول سامح عاصي (كفر برا- أراضي48) لــ "الحياة الجديدة"، إن "شعبنا عاطفي بطبعه، لذا تؤثر به هذه العبارات، خاصة أن أصحابها باتوا بين يدي الله، ولولا صفاء نفوسهم وطيبتهم ورضا الله عنهم، ما نالوا الشهادة".
بينما تقول يسرى عودة (طولكرم)، إن الأمر "محض صدفة"، مضيفةً: "ربما يوجد ألف شخص كتب في فيسبوكه أنه يريد الشهادة، لكنه لم ينلها، تمامًا كأن يستشهد آخر دون أن يترك خلفه أي منشورات ذات دلالة على اقتراب موته". و"فعل تداول مقولات الشهداء موجودٌ من قبل اجتماعيًا بمعنى أن الناس تتداول ما يقوله الإنسان الذي يشعر باقتراب أجله، بعد وفاته"، " كما يقول حمزة أسعد (رام الله) لــ"الحياة الجديدة".
ويوضح أسعد: "تكتسب كلمات الشهيد قيمتها حين يصبح شهيدًا، فهناك أشخاص عبروا عن أمانيهم بالاستشهاد أو لحظة استشهادهم لكنهم لم يستشهدوا، لذا ظلت كلماتهم عاديّة، وتفقد عاديّتها في لحظة استشهادهم، ولأن الفيسبوك وسط اجتماعي نشط جدًا تلاقي كلماتهم صدى".
وتقول سناء بدوي (جنين)، لـ"الحياة الجديدة": "لقيمة الشهادة العالية في نفوس الناس، لا يخجل أي منهم مهما كان عمره في تمنّيها، وإن تغنّى بها الفلسطيني في فيسبوكه يعني أنه يسترخص الموت في سبيل حياة حرة من دون ذل الاحتلال". وكونها أمًا، تقول بدوي إنها "لا ترحب بأن يعبر الشباب عن عواطفهم وتمنيهم للشهادة في صفحات الفيسبوك تجنبًا لوشاية الجواسيس الإلكترونيين والتعرض للاعتقال والقتل في النهاية".
من جهته، يقول أستاذ الإعلام في جامعة بيرزيت محمد أبو الرب، إن الذين يكتبون من الشهداء وصلوا إلى "حالة ذهنية ونفسية تسيطر عليهم وتصبح أولوية لهم يعبرون عنها بمختلف الطرق وإحداها منشوراتهم في فيسبوك، وعلى سبيل المثال، لا فرق بينهم والذي يطمح في امتلاك سيارة، إذ يعبر عن رغبته بالأمر بطرق مختلفة".
ويتم تداول مقولات الشهداء في ثلاثة سياقات، وفق ما يقول أبو الرب لـ"الحياة الجديدة"، متابعًا: "السياق الأول تعبوي، يُفهم منه أن الأشخاص يتوقعون استشهادهم، لكن فعليًا هو شيء غير متوقع، إذ لديهم استعداد نفسي وقناعة وإقدام، ويتحقق أمله لأنه يسعى إليه في أرض الواقع. والثاني يكون بإعادة نشرها، للتعبير عن فعل وطني من خلال ذلك، ويمثل بديلًا للمغردّين عن الفعل المقاوم؛ ويبدو كأن من لا يعيد النشر لا يدعم العمل المقاوم".
أما السياق الثالث، حسبما يقول أبو الرب، فيكون باستخدام الجانب الإسرائيلي هذه المنشورات لإثبات أن الشهيد حين قام بفعل مقاوم كان "خطط وحضّر واستعدّ لذلك"، مشيرًا إلى واقعة قتل جنود الاحتلال لشاب من الخليل كان يسير قرب برج المراقبة، قالت في حينها قوات الاحتلال إن منشوراته في فيسبوك تدل على نيّته لعمل شيء ضد هؤلاء الجنود "فما كان منهم إلا قتله".
وبالنسبة للسياق الأخير، لاحظنا أن العديد من روّاد "الفيسبوك"، يأخذون به، في إشارة تحذيرية من تداول هذه المنشورات أو حتى كتابتها من قبل الشبان، كي لا نقدم للاحتلال "تبريرات معلّبة".
وفي ذلك يقول أسعد لــ"الحياة الجديدة": "هذا إجحاف بحق الفلسطيني، ولا يمكن إطلاقًا أن نلقي بالًا لتبريرات الصهيوني في حال قتله للفلسطيني، لأن العلاقة بين المستعمِر والمستعمَر غير طبيعية أساسًا بالتالي كل فعل يرتكبه الأول ضد الثاني مُدَان ولا تبرير له".
ويؤكد أن كل من يتداول على "فيسبوك" بلاغات مفارقته للحياة أو عن استشهاده، شخص عادي، وليس رجل ميدان في مهمة عسكرية مقاومة، ولو أنه كذلك سيكون حريصًا على عمله سرًا، متفقًا مع بدوي في قوله "هم عاشوا حياة قهر ورأوا في الاستشهاد لحظة تحرر"، مضيفًا "ما يكتُبه الشهيد جزء من قصته وكينونته وليست مجرد حالة وانتهت، ومن يحذر من كونها تبريرًا، يقوم فعليًا بإخراس هذه القصة".