إيمان .. من كندا إلى المجدل بحثا عن شجرة الليمون
يامن نوباني
'الفلسطيني الذي ينسى ليس فلسطينيا'، تقول إيمان التلمس، الغزية من مواليد قطر، والقادمة من كندا إلى بيت جدها بحارة الطلسة في المجدل 'عسقلان' في أراضي الـ1948، بحثا عن شجرتي النخيل والليمون.
'حين دخلنا المجدل، لم تكن تلك البلدة الصغيرة التي سمعت عنها، وصلت برفقة ابن عمي ناصر، إلى منزل جدي بعد عناء طويل، حاولنا الدخول، إلا أن امرأة بملامح أوروبية طردتنا، حاولنا إقناعها مرارا، لكن في كل مرة كانت تصرخ وتطالبنا بالابتعاد'، تضيف التلمس.
وتابعت: أخرجت هاتفي وبدأت بتصوير كل شيء، الشارع والبيارات القريبة، البيت من الخارج، النخلة الطويلة التي سمعت عنها من والدي، لم أرَ شجرة الليمون التي كانت تتوسط حديقة البيت، لكنني واثقة أنها ما زالت هناك تزين صدر البيت.
رغم الصراخ ومطالبتنا مغادرة المكان، دُرت حول البيت بخطى بطيئة، تفقدت ساحته الخلفية، التي لم تعد كما وصفها والدي، وبدا البيت وحيدا، فيما يبدو أنهم جرفوا البيوت القريبة منه، لتغيير الهوية الفلسطينية والطابع العربي للمنطقة. تقول التلمس.
وتضيف: بعد تفقدنا لمنزل جدي، تجولنا في المجدل مشيا على الأقدام، وكانت هناك بيوت قديمة على جانبي الشارع الرئيسي، معظمها هرم رغم احتفاظه بشكله الأول، وبيوت أخرى تُركت مُغلقة وبدت حزينة ووحيدة، تروي ذكريات من كانت لهم، وفي نهاية الشارع وجدنا مسجد البلدة القديمة، الذي تآكلت جدرانه لكن مئذنته ما زالت شامخة تدعو الله وتأمل الخلاص.
وتابعت: في البداية ظننا أن المسجد مغلق، لنكتشف فيما بعد أنهم حولوه إلى متحف صغير لعرض آثار قديمة، وبعض اللوحات الفنية برسم اليد لبعض المناطق أو القرى أسموها 'قرى غير معترف بها' ، وصور قديمة للمسجد وساحة البلدة، وصورتين عن بيانين صادرين عام 1947 موقعين من رئيس بلدية المجدل، إضافة إلى صور لبيانات بالعبرية لم أستطع فهم محتواها، كان شعورا مؤلما أن ترى بأم عينيك حجم ما ضاع منا.
وتقول: قررنا زيارة فلسطين للاحتفال بعدة مناسبات عائلية، تخرج ابني من الجامعة، وبلوغ ابنتي جنين سن العشرين، ومرور 23 عاما على زواجي، وحتى يتعرف أبنائي على أصلهم وحكايتهم، وشخصيا جئت أبحث عن نخلة وليمونة في بيت جدي في المجدل، طالما سمعت عنهما من والدي.
ذهبت إلى هناك وكل ما أعرفه عن المجدل أنها بلدة صغيرة، مشهورة بالنسيج، وشاهدتُ آخر أنوال المجدل في بيت التراث الفلسطيني في بيت لحم. تضيف التلمس.
لم أر أجمل من القدس في أي مكان آخر عشت فيه أو حتى زرته، هكذا وصفت إيمان مدينة القدس، التي زارتها لأول مرة عام 2009 مع أبنائها، وتقول: هذه المرة الثانية التي أزور فيها القدس، وفي المرتين أقمنا في قلب البلدة القديمة من القدس، لنكون أقرب لكل شيء، وأقرب للمسجد الأقصى. وفي نهاية زيارتنا التي شملت الناصرة، وعكا، وحيفا، ويافا، والخليل، ونابلس، ورام الله، عدنا للإقامة في القدس، لتوديعها وقلوبنا ملأى بالفرح والحزن.
إيمان وغيرها ممن شردوا وهجروا من ارضهم، يثبتون من جديد أنه لا يمكن لأي قوة على وجه الأرض، أن تمحو من ذاكرتهم فكرة أنه كان لنا هناك أرض وبيوت، وذكريات، ومواسم زرع وحصاد وحياة، وأنهم أبناء تلك البلدات والقرى التي يميزون رائحتها، ويحفظون حكاياتها، ويحنون للرجوع إليها.