كما بدأوا المؤامرة بغزة - موفق مطر
تنفلت غريزة الانتقام، وتجنح النفس البشرية للعنف، لحظة تراخي هيبة وسلطان القانون، وهذا ما حدث في بلدان عربية مستقلة في مشرق الوطن العربي ومغربه، واللافت ان بعضها رغم جذورها الضاربة في اعماق التاريخ كدولة، الا انها سرعان ما انشرخ بنيانها، واصبح قاب قوسين او ادنى من الانهيار الكامل، بسبب طغيان الانتماء للمذهب أو العشيرة او الجماعة، او العرق او الطائفة، ولعل سوريا والعراق كدولتين بعناصر وسمات حضارية اوضح مثال على ما نقصد..حتى ان الانتماء للعشيرة اطاح بالانتماء للوطن، وأضعف ركائز الدولة حتى أمام جماعة الاجرام والارهاب ( داعش) وليس امام جيوش غزو خارجية وحسب.
نذكر المواطن الفلسطيني انه سيكون الخاسر الأكبر من تغول العنف والفوضى، وانهيار جدار السلم الاهلي، واعمدة القانون، ومن الانقياد وراء مفاهيم ( الرجولة والبطولة ) بالثأر والانتقام العبثي، فالمواطن القافز من مركب العقلانية الى جحيم العبثية، هو في الواقع والحقيقة، زيادة على رقم الجريمة والارهاب المنظم، اي بصورة اوضح، هو عدد (داعشي) جديد في فلسطين، حتى لو لم يعلن الولاء والمبايعة للمجرمين قاطعي الرؤوس وحارقي ابناء آدم، وبائعي بنات حواء في اسواق النخاسة في القرن الواحد والعشرين، فالقتل بالاحراق، او الطعن أو الرصاص انتقاما فوريا مباشرا كرد فعل على مقتل فرد من عائلة ما، لا يختلف اطلاقا عن افعال وجرائم الجماعات الارهابية الا بأمر واحد وهو الاخراج التلفزيوني، ولا يكون العدد مهماً ما دمنا نتحدث عن نوعية القتل ووسائله وابعاده، فهناك مدفوع بكراهية وأحقاد (عنصرية) وغرائزية همجية لكل من هو خارج اطار الجماعة، وهنا مدفوع بالكفر بالقيم الأخلاقية الانسانية، ورسالة السماء، ومبادئ السلم الأهلي والمجتمعي، وبالحقد المدفون باللاوعي على سلطة القانون، وبقوة دفع تعبئة شيطانية، يخزنها عملاء دولة الاحتلال، ويعاونهم المتضررون من سلطة قانون وطنية فلسطينية، المستفيدون وحدهم من انفلات امني يعيد لهم سطوتهم والتحكم بمصائر المواطنين، وأولئك المراهنون على اظهار قيادة الشعب الفلسطيني وحكومة السلطة الوطنية بموقع الضعيف أمام مسؤوليات ومهمات الدولة المستقلة، فاصابع الاحتلال وأعوانه بدأت باشعال نيران الصراعات النارية بين العائلات والعشائر وانتهت بتسليم قطاع غزة على طبق من ذهب لحماس، والآن يحاولون اعادة التجربة في الضفة، عبر عمل منظم هدفه وضع سلطة القانون في الحضيض أمام نظر الجمهور الفلسطيني، والتشكيك بفاعلية الأجهزة الأمنية، بالتوازي مع حملة تخوين وتهديدات بالاستهداف ضد قيادتها وافرادها. تواكبها تنظيرات وتحليلات اعلامية منظمة ومبرمجة تلتقي جميعها عند نقطة اجتثاث امل الفلسطينيين بالحرية والاستقلال، وزرع فيروس الطمأنينة للاحتلال وانشاء المستقبل معه!
كتب زملاء في تشريح الحالة، ووضع بعضهم اصبعه على اسباب هذا الورم السرطاني، ومنهم من عزاه الى حالة القضاء، وأداء الشرطة، وطغيان سلطان العرف العشائري، وانحسار ثقافة القانون، وهيبة القضاء، ويكون ذلك صحيحا، لكن يجب ألا نستبعد اصابع أعداء الوطنية الفلسطينية، اصابع (دولة الاحتلال) ومعهم اصحاب اجندة التعايش الاقتصادي على حساب حل الدولتين، وفي ظلهم اصحاب تعاميم الانتماء للجماعة سواء كانت سياسية او دينية او عائلية او عشائرية (حماس) والمعنيون بتقديم الرئيس ابو مازن، كرئيس ضعيف، غير القادر على ضبط الأمن المجتمعي على الأقل في مناطق السلطة الفلسطينية، وهؤلاء هم شراذم دحلان، فلكل واحد من هذه الفرق هدف يسعى اليه، ولن يكون له ذلك الا باشعال نار الانتقام والثأر، وقودها العصبية، واولى ضحاياها المواطنة والوطن.. فهل من بعد اغتيالهما، سنحلم بفلسطين الوطن، الدولة الحرة المستقلة؟! اخشى ان سمح عقلاء وكبار البلد بانفلات الفوضى تحت مبرر (الدماء حامية) لن نجد في الوطن دماء انسانية لبناء الوطن، وتنهار قلاعنا قبل انهيار دول اهل الشام والعراق.