إلى متى سيبقى من يحرقون الأطفال أحياء دون عقاب؟
راسم عبد الواحد
حرقا قضى الرضيع علي دوابشة (عاما ونصف العام)، من دوما في نابلس، كما قضى الطفل المقدسي محمد أبو خضير (16 عاما) قبل عام، في جريمة أدانها المجتمع الدولي، وطالب سلطات الاحتلال الإسرائيلي بتقديم المجرمين إلى العدالة لينالوا عقابهم.
الفاعلون ينتمون إلى نفس المدرسة العنصرية، ومن عصابات المستوطنين الذين يعيثون في الأراضي الفلسطينية حرقا وقتلا وخرابا ودمارا، في أجواء خصبة وفرتها حكومة هي الأكثر يمينية في تاريخ دولة الاحتلال وكل أذرعها، وفي مقدمتها القضاء والقانون، تساند الإرهاب وتبرر جرائم المتطرفين، وفي أكثر الأحيان يصفون مجرميهم بـ'الجنون' لتُسقط عنهم التهم.
'شعرنا أن ابننا قد اغتيل مرة أخرى'، بهذه الكلمات عقّب حسين أبو خضير والد الطفل الشهيد المقدسي محمد، الذي اختطفته قبل عام مجموعة من المستوطنين ثم أحرقوه حيا حتى الموت، على جريمة قتل الرضيع علي دوابشة بحرق منزل ذويه، فجر أمس.
وقال إن حكومة الاحتلال تشجع الإرهاب وتعزز وجود المجرمين العنصريين، إنه لا يعلق آمالا على القضاء 'الإسرائيلي' وتوقع أن يتهم قاتل ابنه بـ'الجنون'.
واعتبر أن ما جرى في جلسة المحكمة التي تنظر في قضية نجله الشهيد، والتي عقدت منتصف الشهر الفائت، مسرحية متقنة بمهارة، وقال: 'وقفت للاعتراض على الأكاذيب التي قالها الجناة فطلبوا مني التزام الصمت، الأسئلة التي وجهت للقتلة لم تكن في صلب القضية، وكان المتهم الأكبر يمثل دور المجنون وأنه لا يفهم ما يقوله القاضي'.
وتوقع والد الطفل أبو خضير أن تقضي المحكمة ببراءة القتلة نظرا لما شاهده في الجلسة الأخيرة، وأوضح أن المحكمة لم تسمح لمحامي العائلة بالحديث، ما يعني أن المسرحية محبوكة مسبقا.
وقال 'محاكمة القتلة تسير بشكل هزلي، عُقدت 16 جلسة، ولكن لا توجد نتيجة حتى الآن، فتارة يدّعون أنه لا توجد إمكانية للتواصل مع محامي القتلة، وتارة أخرى أن أحد القتلة يعاني من مرض، وفي المرة المقبلة سيجلبون لهم أطباء نفسيين'.
سهى أبو خضير والدة الشهيد محمد، قالت: 'القضاء 'الإسرائيلي لا يحكم بالعدل، فرغم أن جميع الأدلة تؤكد تورط هؤلاء القتلة بجريمة إحراق طفلها حيا، إلا أن المحكمة تماطل في إدانتهم، لو كان القاتل عربيا لما تعاملت المحكمة معه بهذا الشكل'.
واتهم والدا الشهيد أبو خضير هيئة محكمة الاحتلال بـ'المراوغة وصياغة اتفاق خلف الأبواب المغلقة لتبرئة المستوطنين القتلة، الذين قالوا في جلسات محاكمتهم عن جريمتهم: 'أحرقناه ليتطاير رماده في جبال القدس'.
وكانت محكمة الاحتلال المركزية في القدس أجلت في جلستها الأخيرة محاكمة قتلة الطفل أبو خضير للثاني والعشرين من شهر أكتوبر المقبل بعد 16 جلسة، وأكثر من عام، على الجريمة البشعة.
ورأى النائب العربي في الكنيست محمد بركة، أن المسؤول الأول والأخير عن هذه الجرائم هو الاحتلال، وأن مثل هذه الأفعال والممارسات الإرهابية لن تتوقف إلا برحيله، محملا حكومة الاحتلال المسؤولية عن هؤلاء المتطرفين وممارساتهم.
المواطنة آية دوابشة، قالت إن هذه الجرائم ستُضاعف من رغبة الشباب الفلسطيني في الرد على هذا السلوك المشين والمنفلت، وبالتالي فإن الاحتلال وحده هو من يتحمل تداعيات هذه الجريمة.
منذ ظهورها عام 2009، نفذت عصابات 'تدفيع الثمن' بحسب معطيات شرطة الاحتلال، أكثر من 650 جريمة كراهية لا تقتصر أضرارها على الأملاك فحسب، بل تسببت بمقتل مدنيين فلسطينيين كما في حالة الطفل الرضيع علي دوابشة.
كما في السابق، أدانت إسرائيل الجريمة الأخيرة. وقال رئيس حكومتها بنيامين نتنياهو إنه قد اهتز جراء 'العمل الإجرامي المرعب والإرهابي'. وأوضح أن سلطات القانون تعمل بقوة لاعتقال القتلة ومقاضاتهم عاجلا.
وقال حقوقي محلي: 'لا يلوح بالأفق ما يشي بأن جريمتي قتل الطفل أبو خضير والرضيع دوابشة حرقا هما الأخيرتان، فالقتلة هم مجرد المسدس أو السكين أو قنينة البنزين، أما المسؤول الأول عنها فهم قادة الاحتلال و'نتنياهو' شخصيا، وحاخامات اليهود ممن يتسابقون في التحريض على العرب وشيطنتهم، خاصة أن مجموعة حاخامات نعتت الفلسطينيين بالأفاعي والصراصير والماعز، كما وصفت وزيرة قضاء الاحتلال أيليت شاكيد الأطفال الفلسطينيين بالثعابين'.
وكان بعض الحاخامات أصدروا فتاوى بقتل المدنيين الفلسطينيين، حتى الأطفال منهم دون أن يقدموا لمحاكمة، وأبرزها في كتاب 'عقيدة الملك' من تأليف الحاخامين يتسحاق شابيرا، ويوسيف اليتسور من مستوطنة 'يتسهار' المجاورة لمدينة نابلس.
الشهر المنصرم، اكتفت محكمة إسرائيلية بالحكم بالسجن عامين فقط على مستوطنين اثنين أحرقا مدرسة ثنائية اللغة في القدس المحتلة، رغم أنهما قالا على مسامع القضاة إنهما 'غير نادمين على فعلتهما.
ولكن يبقى السؤال الملح: إلى متى سيبقى من يحرقون الأطفال أحياء، والمساجد والكنائس والمدارس من دون عقاب؟.