يدعو لأندلس...!!
أخيرا تحسست حركة حماس، والشكر لعقدة الذنب التي تعتريها، "البطحة التي على رأسها" وهي تصف التعديل الوزاري الاخير بأنه "انقلاب" على حكومة التوافق الوطني..!!
الانقلابيون إذاً يصفون عملا بالغ الدستورية والضرورة، والسلمية بطبيعة الحال، بأنه انقلاب، وكأنهم باستخدامهم هذا التوصيف، قد يتخلصون من عقدة الذنب تلك ولا يعودون ليروا أنفسهم بأنهم انقلابيون، وهي حقيقة حالهم ووضعهم التي ليس بوسع اللغة ان تلغيها أو تطمسها مهما كانت بليغة... !!
الحكومة ما زالت برئيس مجلسها، وخمسة وزراء جدد، لوزارات ليست بينها واحدة سيادية، لكن حماس لا تريد على ما يبدو غير المناكفة، وهي تعرف ان الصيغة التي كانت مطروحة من اجل تفعيل أجدى لعمل الحكومة، خاصة في قطاع غزة هي: إما حكومة وحدة وطنية، وهي الحكومة التي كان ولا يزال الرئيس ابو مازن يفضلها ويدعو لها، وإما تعديل وزاري، وايضا برغبة وتعليمات الرئيس بضرورة التفاهم مع حماس حول هذا التعديل، غير ان قيادة حركة حماس اختارت وبمنهج المناكفة وعقليتها، أن تذهب الى موقف يذكر ببيت شعر لمحمود درويش في رائعته "مديح الظل العالي"، والذي يقول "في كل مأذنة حاو ومغتصب/ يدعو لأندلس إن حوصرت حلب" والمغزى ان قيادة حماس بهذا المنهج، قفزت فوق جميع متطلبات وضرورات التشكيل الوزاري بإحدى صيغتيه بالمطالبة اولا: بضم 54 الف موظف الى اجهزة الحكومة ودوائرها، وثانيا: عقد اجتماع لما سمته الاطار القيادي المؤقت لمنظمة التحرير، وهذا اطار لا وجود له ألبتة، وانما هناك فقط لجنة تفعيل المنظمة، كما اقرت في وثيقة المصالحة عام الفين وخمسة، وثالثا عقد اجتماع لبحث عقد المجلس الوطني قبل تشكيل الحكومة..!! ومن الواضح انه لا شيء في المطالب هذه، له علاقة باجراءات وتفاهمات التشكيل الوزاري، إن كان نحو حكومة وحدة وطنية، او تعديل وزاري فحسب، هكذا كانت حماس تدعو حقا لتحرير الاندلس فيما الحصار يشتد على حلب، وبمعنى هكذا راحت حماس تحرف البوصلة باتجاه مغاير تماما، يعيدنا الى ما قبل اتفاق المصالحة بنقاطه الاولى، وكأنه ما من حوارات دامت لسبع سنوات مضت تناولت كل قضايا الخلاف التي جاء بها الانقلاب الحمساوي، وما من حكومة توافق وطني شكلت بعد "اعلان الشاطئ" وارفقت حماس كل ذلك بحملة تصريحات هجومية، شنتها على حركة فتح وقيادتها، بل وبتطاول عديم الحس الاخلاقي، على القيادة الشرعية، وعلى الرئيس ابو مازن على نحو خاص، في مواقعها الالكترونية ووسائل اعلامها المحمومة بترويج الفتنة وتكريسها، الامر الذي لا يدل ومرة اخرى إلا على شيء واحد، وهو ان حركة حماس غير معنية حقيقة بالوحدة الوطنية وانها تجد بمنهج المناكفة في كل مرة ما يعرقل السعي اليها، وان شغلها الشاغل اليوم هو الوصول الى هدنة طويلة الامد مع اسرائيل، تؤكد المعلومات انها ستمتد الى فترة عشرة الى خمسة عشر عاما، توافق اسرائيل بموجبها على "ميناء عائم" وامكانية تفعيل المطار في قطاع غزة، مقابل ذلك توقف حماس تصنيع الاسلحة، وحفر الانفاق، وايقاف التدريبات العسكرية، وتحويل دورياتها الى دوريات حراسة على "الحدود" التي عبدت شوارعها مؤخرا..!! اضافة الى قطع علاقاتها مع ايران، وفي هذه النقطة الاخيرة، ثمة تباين واضح في المواقف داخل حركة حماس، إذ تصر كتائب عز الدين القسام، ومعها محمود الزهار وفتحي حماد، على تواصل العلاقة مع طهران، فيما البردويل يريد ان يضع قدما هنا وقدما هناك وهو يزعم ان الاتفاق المنتظر مع إسرائيل لن يكون سياسيا..!!
هذا هو الشغل الشاغل لحركة حماس اليوم، وبالطبع فان حكومة وحدة وطنية لن تساعدها في انشغالها هذا، ولهذا قفزت فوق الواقع ومتطلبات تشكيل هذه الحكومة، وحين ذهب الرئيس ابو مازن الى التعديل الوزاري المحدود، فانه فعل ذلك ليبقي الباب مفتوحا امام امكانية تشكيل حكومة الوحدة الوطنية، غير ان حماس لا تريد غير ان تضع دائما تلك العصي في دواليب عربة الوحدة، لتدعو لأندلس إن حوصرت حلب، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.
كلمة الحياة الجديدة - رئيس التحرير