أهالي الحمّة: نعيش في جحيم !.... الشمس والاحتلال يلهبان الحياة في الأغوار
ميساء بشارات - فيما تصب شمس آب اللهّاب حمم أشعتها، يصب أطفال خربة "الحمة" المياه على أجسامهم النحيلة لعلها تخفف عنهم وطأة الحر خاصة مع موجة الحر الحالية غير المسبوقة.
وتقع "الحمة" في منطقة المالح بالأغوار الشمالية شرق طوباس. ويحفظ أهاليها المياه في خزانات معدنية قرب "بيوت الشعر" التي يسكنونها.
يقول مهيوب فقها (32 عاما) الأب لثلاثة أطفال: "لا نعرف كيف نقضي النهار أو الليل في هذا الحر الشديد، نحن نشعر أننا نشتعل لعدم وجود اجهزة تكييف".
ويضيف واصفا حاله وأسرته: "سحنا (ذبنا) من الحرارة". ويضيف مهيوب الذي حاول تبريد الأجواء حول منزله الصغير برش المياه على التربة المحيطة: "انها نار تخرج من الأرض، لم نعد نقوى على احتمالها". في اشارة منه الى عدم توفر ابسط مقومات الحياة من كهرباء وماء وغيرها من مستلزمات الحياة الاساسية.
ويتابع لـ"استراحة الحياة": "قضينا هذه الليلة خارج الخيمة في الفلاء وقمت برشق المياه على الفرشة التي انام عليها كما بللت حراما خفيفا بالمياه ووضعته فوقي، وبين فترة واخرى اقوم باعادة تبليله ليخفف من درجة حرارة جسمي العالية، وهكذا فعلت زوجتي لاطفالي".
وتفتقر منطقة "الحمة" المصنفة (ج)، حسب اتفاق اوسلو، وغيرها من مضارب البدو في الأغوار، الى البنية التحتية ويعيش اهلها حياة هي الأقرب إلى البدائية، في ظل عدم توفر مقومات الحياة الأساسية والبنية التحتية فيها.
وتجتاح البلاد موجة حر لم تشهدها في السنوات الخمس الأخيرة، ترافقها رطوبة في بعض المناطق ترفع درجة الحرارة المحسوسة بالنسبة للإنسان.
وتوقعت دائرة الارصاد الجوية أن تستمر الموجة حتى نهاية الاسبوع. وهذه الموجة الحارة ناتجة عما يسمى "المنخفض الهندي" المشبع بالرطوبة والذي يعبر المحيط الهندي باتجاه الهند وباكستان حيث تسقط الامطار الغزيرة هناك، بينما ينتقل الى باقي مناطق اسيا عابرا الجبال والصحارى، ما يؤدي الى ارتفاع درجات الحرارة. وعلى مقربة من "الحمة"، يعيش اهالي "الحديدية" حياة لا تقل بؤسا وشقاء عن جارتها في ظل هذه الموجة الحارة وعدم توفر المياه. تقول ام معاذ (44 عاما) وهي ترتدي ثوبا خفيفا بللته بالماء ليخفف شعورها بالحر: "لا توجد مياه باردة للشرب او لرشها على أجسامنا التي نشعر أن الحرارة تنبعث منها". وتضيف مازحة: "انسلقنا مثل البيض، والاكل بحتجش للطبخ على النار، بنتركه ربع ساعة في الشمس وبستوي لحاله".
وتتابع ام معاذ: "موجة الحر هذه أثرت على القوي والضعيف، وسببت اضرارا مباشرة وغير مباشرة للانسان الساكن هنا، والحيوان على حد سواء". ويقوم بعض النساء من "الحمة" برش المياه على خيم الخيش، التي تستخدم مسكنا لأهالي "الحمة" وغيرها من التجمعات البدوية في الاغوار الشمالية.
وأضافت أم معاذ: "نرش البيوت وما حولها من الارض بالماء لنجعلها رطبة، ونلطف من حرارة الجو، لاننا لم نعد نحتمل الحرارة التي تخرج من الارض، في ظل عدم وجود كهرباء لتشغيل مروحة او ما يخفف من الحرارة". وخاطت المرأة قطعًا من الخيش حول أوعية بلاستيكية فيها ماء، لتساعد في تبريده.
ويكلف صهريج الماء الواحد سعة (3 متر مكعب) اهالي "الحمة" حوالي 60 شيقلا، وتستهلك العائلة مع مواشيها ما يقارب الـ 3 تنكات مياه يوميا اي ما يعادل 9 أكواب من المياه. يقول فقها: "لا توجد لدينا شبكة مياه لنحصل منها على المياه، لذلك نشتري المياه من القرى المجاورة مثل بردلة وعين البيضاء". مشيرا إلى أن أهالي "الحمة" قدموا عدة مرات طلبات لايصال المياه لهم لكن طلبهم لم يلق التجاوب من الجهات المسؤولة.
وقد زاد استهلاك عائلة فقها في هذه الايام الحارة ثلاثة اضعاف الايام السابقة، ويوضح فقها: "الاطفال لا يتوقفون عن رش المياه على أجسادهم، ونحن كذلك، وتشرب الاغنام كميات مياه أكبر أيضا".
ويعتبر قطاع الثروة الحيوانية في منطقة الاغوار الشمالية، من ابرز القطاعات الانتاجية التي يعتمد عليها المزارع الفلسطيني في تأمين دخله وقوت عائلته.
ويشير عارف دراغمة مسؤول التجمعات البدوية في الاغوار الشمالية إلى ان نحو 45 عائلة فلسطينية تسكن منطقة المالح، في بيوت شعر وبركسات معدنية، ما يرفع درجة حرارتها، فالاحتلال يمنع اقامة اي منشأة من الطين في المنطقة المصنفة "ج" ويحرمها من البنية التحتية، ما يزيد من قساوة الحياة فيها خاصة في موجة الحر غير المسبوقة. ووجه فقها نداء للمسؤولين للاطلاع على المناطق التي يعيش فيها للعمل على توفير ما يحرمهم الاحتلال منه كالبنية التحتية، من كهرباء وشبكات مياه ومواصلات وخدمات صحية وتعليمية، منتقدا صرف مبالغ على مهرجانات ومناسبات، في حين يعاني الكثيرون من نقص في الخدمات والبنية التحتية في مناطق يسعى الاحتلال الى تهجير اهلها منها للاستيلاء عليها.
ويختصر فقها وصفه للحياة في "الحمة" في ظل ممارسات الاحتلال التي تحرم أهلها من تطوير ما يمكن ان يخفف عليهم بالقول: "نحن هنا نعيش في جحيم".