جينات الجنون العائلي!
تسائل تسفي برئيل، في صحيفة 'هآرتس' العبرية عن سر عصف النفوس في إسرائيل بسبب حرق عائلة دوابشة في قرية دوما، سيما ان أعمال التنكيل والاعتداء وحتى قتل أولئك الذين ينتمون إلى مجتمع مختلف - العرب، والمثليين، أو مجرد يساريين – ليس جديدا في الدولة اليهودية.
ويقول تسفي برئيل، إن الإرهابيين اليهود لم يهبطوا من المريخ. لقد كانوا دائما وسيكونون صناعة إسرائيلية، زرقاء وبيضاء. ويمكن أن نبدأ في أي وقت من الأوقات: اميل غرينتسفايغ، مذبحة الحرم الابراهيمي، قتل العرب في شفا عمرو على ايدي الجندي عيدن نتان زادة، وحرق الطفل محمد أبو خضير حتى الموت.
ويضيف: الفرق هو أنه في كل هذه الجرائم وجد الجمهور ملاذا او عزاء في الاجماع الوقائي. لقد برأ الاجماع اليهودي الاسرائيلي نفسه من وصمة العار على جبينه بالادعاء بأن هذه الجرائم هي ظاهرة استثنائية، اعشاب ضارة، واعمال فردية. وقال انه مقابل الاجماع العربي الاسلامي، الذي يقوم على ثقافة القتل، وانصار السلام في صفوفه هم الاستثناء والمجانين، فان اليهود يملكون ثقافة اخلاقية. حتى عندما يكونوا المحتلين فان 'الاحتلال يعتبر متنورا'.
هذا الاجماع، مثل أي اجماع آخر، سيحكي لنفسه الأكاذيب الأكثر منحرفة، وسيحتسي كأس البر حتى الاختناق، وسيفجر كل مرآة تتجرأ على القول له بأن ليس الاجمل في كل المدينة. لكن الانجراف نحو الثقب الاسود الاستيطاني حقق انقلابا ثقافيا واخلاقيا، بدأ بالتبشير الأصولي، الذي ألغى النهج الإقليمي ونمى الوعي الذي يقول ان أرض إسرائيل هي فكرة وليست دولة. ولا توجد لها حدود إقليمية ولن تكون، لأن الله وحده هو الذي يرسم حدودها.
الاجماع اليهودي – الاسرائيلي، الذي كان لا يزال يتشبث في حينه بـ'الخط الأخضر'، آمن ان جنسيته العلمانية – الاخلاقية، ستحميه من المبشرين الجدد. حتى بعد نمو وازدهار جيوب السلفيين اليهود على جبال الضفة الغربية تم اعتبارهم فضوليين او 'دواسر' على حد قول اسحق رابين.
وحتى عندما قامت منطقة حكم ذاتي، يقيم فيها أكثر من نصف مليون مستوطن، مع ميزانية خاصة وجيش خاص من الميليشيات المسلحة، بل حتى بعد أن كان من الواضح بأن ذلك 'المسافر الثامن' يسيطر على الدولة اليهودية ذات السيادة – فقد تواصلت المعتقدات الخاطئة بان هناك أسس أخلاقية راسخة للثقافة الإسرائيلية وستتغلب على كل جنون، كما تواصل الوهم بأن الخط الأخضر يشكل عائقا صلبا، يفصل بين الثقافة اليهودية – الاسرائيلية وثقافة المستوطنين. 'هم' يحرقون الأطفال والكنائس، ويقتلعون الأشجار ويحطمون العظام، و'نحن' – ندين ونحذر. فـ'نحن' لا نزال نعرف التمييز بين الحق والباطل.
لكن الاقليم، الميزانيات وعصابات البلطجيين هي البداية فقط. فخلافا للعملية التقليدية التي يقيم فيها الشعب الدولة، أنشأ المستوطنون دولة، ونموا شعبا فيها - شعب المستوطنين، الذي يتمتع بثقافة خاصة ولغة خاصة، وقيم وأخلاق خاصة، واجماع يلتف حول المفكرين والحاخامات الى جانب 'الجبابرة' الذين يقتلون ويحرقون. هذا هو سبب الرعب الذي دب فجأة في الاجماع الاسرائيلي اليهودي الذي يعيش داخل الخط الأخضر.
ربما يمكن الانسحاب من المناطق واخلاء المستوطنات، ولكنه لا يمكن اقتلاع او وقف ثقافة الاستيطان. ليس احراق عائلة دوابشة هو ما يثير القلق الآن، وانما الثقافة التي سببت الحريق. ومثل ابن العائلة الذي يتخوف من وراثة جينيات الجنون هكذا اصيب الاجماع الاسرائيلي، المتعقل ظاهرا، والليبرالي، والعالمي، بالفزع الشديد. فهو ايضا ولد في ذات العائلة، ولن يستطيع القول بعد ان المجنون الذي يحرق الاولاد هو ابن العم فقط.
ويختتم الكاتب الاسرائيلي تسفي برئيل مقالته بالقول: عائلة دوابشة لا تحتاج الى المعزين الإسرائيليين، بل ان المعزين هم الذين يحتاجون الى الشفقة، لأن دلائل الجذام بدأت تظهر على جلودهم.