خطى ايرلندية وأصداء انتفاضتين في الأمسية الثالثة لمهرجان فلسطين الدولي
أمام عشرين عازفاً ومغنياً محترفاً، ردد خالد المبيّض ووليد عبد السلام وريم تلحمي وجميل السايح 'أصداء الانتفاضة'.
خاطبوا بحناجرهم سماء فلسطين في الليلة الثالثة من مهرجانها الدولي ، أن ما زالت الانتفاضتان الأولى والثانية حاضرتين في حرارة كلماتنا وتصفيق الجمهور الذي ظلّ كبارُه مخلصين لأرشيف الموسيقى الوطنية، بتفاعلهم مع مطربي الثورة.
ماجد أبو غوش أحد الحضور، ظلّ يردد كلمات أغنية جميل السايح 'رصيف المدينة' منتشياً وهو يراقب العرض من بعيد، وقال 'هذا إصرار على الحياة في مواجهة الموت اليومي، وهذا الأرشيف بالنسبة لي لم يمت. أنا أسمعه يومياً، ولكنني ممتنّ الآن لأنه يتردد على مسامع جيل جديد لم يعتد عليه'.
ليس ببعيد عن ماجد، كان فتى يعتلي السور القصير المقابل لمدرج الجمهور، سأل أحد المتطوعين في فرقة بينما يمسك 'آيباد' بكلتا يديه ليلتقط صورة لزميله؛ 'هل العرض يقتصر فقط على هؤلاء؟ هل جئنا لنسمع هذه الأغاني؟
عرض 'أصداء الانتفاضة' انتهى بعد أن جاد كلّ مطرب بأغنيتين خاصّتين بتاريخه الفني، ثم أدوا مجتمعين صداهم الأخير، نشيد 'موطني' ليلبّي الحضور كلمات النشيد واقفين منصتين.
في الجزء الثاني من الأمسية، قدّمت فرقة 'اينوفا' من أيرلندا عرضَها 'contempo'، دخلت الراقصات الثلاث عشرة من جانبي المسرح بفساتينهنّ الحمراء القصيرة، نقرن إيقاعياً بأحذيتهن على خشبة المسرح برفقة موسيقى بلادهن التقليدية الممزوجة بمقطوعات حديثة.
وجمع العرضان الفلسطيني والأيرلندي بين النِتاج الفني التقليدي، وذلك الذي يناسب العصر، ما يضمن وصوله لعدد أكبر من الجماهير العربية والعالمية، كما عكسا قضية 'التمييز' التي اختيرت موضوعاً للدورة السادسة عشرة من مهرجان فلسطين الدولي.
كلّ ما قُدّم كان أصداء الوجع الذي يعانيه الشعب الفلسطيني من اغتيال وأسر واحتلال، ولم يكن رقص الشابات الأيرلنديات إلا محاولة إثبات هوية ثقافية ما للشعب الأيرلندي الذي 'عانى نوعاً من التمييز يوماً مشابهاً للذي نعانيه' على حدّ تعبير مديرة مركز الفن الشعبي إيمان حموري.
إنتاج عمل 'أصداء الانتفاضة' الموسيقي كان مشتركاً بين مركز الفن الشعبي والفنان الفلسطيني باسل زايد، وهو عمل يعيد التاريخ بشكل توثيقي، بانتقاء مقطوعات موسيقية وأغانٍ اشتهرت في فترة الانتفاضة، وجمع مؤديها لإعادة غنائها بقالب حديث.
أعمال ساهمت في بناء الروح المقاوِمة للمجتمع الفلسطيني، قدمها فرق كالعاشقين، وصابرين، والفنان وليد عبد السلام وريم تلحمي وأبو عرب وغيرهم، ممن ما زال يُقدّم، أو رحل تاركاً إرثه الموسيقي للأجيال.
ويسعى المشروع إلى حماية الذاكرة السمعية الوطنية والسياسية من الاندثار، من خلال إعادة إنتاج هذا المخزون بإطار موسيقي احترافي.
يقول الفنان باسل زايد، إن الأصداء تنادي الأغاني التي أُنتجت في أيام الانتفاضة، والتي كان لها علاقة بالمقاومة ووحدة الصف الوطني والتكافل الاجتماعي والثقافي، وهي الآن تدعو الناس لاستعادة ذلك الزمن بالسماع إلى أغاني 'أصداء الانتفاضة' خصوصاً أن بعضاً منها لم يُنشر آنذاك باسم من غنّاها، حرصاً على سلامته من الاعتقال أو الملاحقة من قِبل الاحتلال الإسرائيلي.
وحاولت 'أصداء الانتفاضة' وضع تلك الأعمال في قالب جديد حتى تتناسب مع الذوق الحالي عند الأجيال الناشئة، دون تشويه أو مساس بنكهتها وشخصيتها، بحسب زايد، الذي دعا إلى تجديد أعمال أخرى مشابهة في زمنها ومضمونها، تحسباً للنوايا والخطط التي لطالما حاولت إلحاق الضرر بالثقافة الفلسطينية.
فرقة 'إينوفا' وصلت للشهرة العالمية بعد مشاركتها في برنامج Britain's Got' Talent' عامَ 2014، وتتمتع بطابعها الخاص في الرقص الإيرلندي، فهي تمزح بين المعاصر الحديث وذلك التقليدي، لتصنع فنّاً جديداً وممتعاً.
وتتلخّص رؤية 'إينوفا' في بث الحيوية والطاقة وروح الشباب، وخلق نهج جديد للرقص التقليدي الايرلندي، كما يتخذون عبارة 'حان الوقت لإزالة الحدود' شعاراً لهم، كما تقول المدربة كاثرين لامونت.
وأضافت 'نحن هنا لأننا نعلم أن الفلسطينيين يعيشون صعوبات وأوضاع قاسية، وجئنا إلى هذا المهرجان بهدف التبادل الثقافي والاستمتاع'.
وحازت راقصات فرقة 'إينوفا' اللاتي تتراوح أعمارهن بين 14-24 عاماً؛ على جوائز عالمية وفزن بمسابقات فردية في الرقص والفنون الأدائية.