المحرقة المتدرجة..
جميل ضبابات
أيام قليلة بعد أن أستشهد الطفل على دوابشة اثر إحراق جسده الغض من قبل متطرفين يهود، لحق الأب صباح اليوم السبت، فيما مصير الأم والشقيق أحمد، ما زال رهن حالتها الصحية.
محرقة دوما واحدة من أقسى عمليات الحرق التي شهدتها فلسطين على مدى العقود الماضية، فمنذ عقود استخدم مؤسسو التنظيمات اليهودية ورواد التطرف الاستعماري الصهيوني، النار كواحد من الأسلحة المجانية، خاصة لدى اجتياحهم للبلدات والقرى الفلسطينية عشية احتلالهم لها في الوقت الذي كانوا يحضرون فيه لقيام دولة إسرائيل فوق رماد تلك الحرائق.
الأخبار التي رشحت من المستشفى الإسرائيلي الذي نقلت إليه عائلة دوابشة تقول إن الحروق العميقة غطت معظم جسد الأب كما جسد الأم والشقيق، لكن أيا من تلك الحروق لم تكن سببا كبيرا حتى الآن لاتخاذ موقف دولي شديد، لإطفاء النيران التي تشتعل تقريبا في كل مكان من الضفة الغربية.
في الأيام الماضية ترددت أصداء تصريحات كثيرة من دول العالم تدين عملية إحراق عائلة دوابشة.
'هناك نفاق دولي وازدواجية في المعايير في التعامل مع هذا الأمر'. قال رئيس هيئة مقاومة الجدار والاستيطان وليد عساف.
اخبر عساف مراسل 'وفا' بعد أقل من ساعتين على لفظ دوابشة الأب أنفاسه الأخيرة في المستشفى الإسرائيلي الذي رقد فيه خلال الأسبوع الماضي أنه 'من ناحية عملية لا يوجد رد فعلي دولي أقوى من الاستنكار. نريد موقف حقيقي الآن'.
قبل أيام حمل عساف ملفا حول الجرائم التي ارتكبها المستوطنين لتقديمها للجنة تقصى حقائق أثناء اجتماع في العاصمة الأردنية عمان، وكانت جريمة حرق عائلة دوابشة على رأس الأجندة.
وفي رده على أسئلة طرحتها 'وفا' حول الموقف الدولي من المحرقة المستمرة، قال عساف: 'إذا لم يتم اتخاذ موقف دولي حقيقي، سنشاهد المزيد من جرائم المستوطنين.'
وأشار إلى وقائع كثيرة في الآونة الأخيرة ارتكب فيها المستوطنون جرائم متسلسة بحق الفلسطينيين في غير مكان من الضفة الغربية.
وقال: 'إذا لم يتخذ إجراء دولي بحق هذه المجموعات الإرهابية لا بد من اتخاذ الفلسطينيين ذاتهم إجراءات لحماية أنفسهم في هذا الاتجاه.
في الأراضي الفلسطينية لا يصعب العثور على فلسطينيي لا يشكو من المستوطنين. ففي قرى ريف جنوب نابلس يستطيع أن يدلي الكثيرون برواياتهم حول اعتداءات متسلسلة نفذها المستوطنون خلال السنوات الماضية، لكن إي ملفات تحقيق حقيقية لم تفتح من قبل الشرطة الإسرائيلية التي نشرت إعلانا بعد حرق العائلة تطلب فيه المساعدة في القبض على مرتكبي المحرقة. يقول الفلسطينيون إنهم يشاهدون ذات المستوطنين في اعتداءات مختلفة في المناطق التي تشهد هجماتهم.
في مواقع التواصل الاجتماعي تمتلئ الحوائط الافتراضية بملصقات لمستوطنين مسلحين يطلقون النار صوب فلسطينيين، لكن لا أحد يعرف إلى إي مدى يمكن أن تساهم تلك الملصقات في القبض عليهم.
ويقول بعض المواطنين أن كثيرا من مرتكبي الاعتداءات وعمليات الحرق معروفين جيدا. ويورد عساف أرقاما تشير إلى اتساع نطاق الاعتداءات التي يرتكبها المستوطنون.
فمثلا منذ بداية العام الماضي ارتكب المستوطنون 1454 اعتداء، من ضمنها 1117 هجوما ضد فلسطينيين وممتلكاتهم الخاصة، ومنها 45 حريقا لمساجد ومبان.
ويؤكد مسؤولون رسميون فلسطينيون أن تلك الجرائم تمت بشكل منظم، ولم تكن يوما عملا فرديا. ففي الصيف يشعل المستوطنون حقول الزيتون، وفي الشتاء أيضا تطال النيران المنازل والمساجد والمدارس.
دوما هي القرية الفلسطينية الأكثر حرارة من هذا الصفيح المشتعل خلال صيف حار جدا. لكنك إذا اقتربت أكثر من هذه القرية فهي تبدو صباح اليوم أكثر حرارة، فهي حزينة يسرى فيها شعور عميق بالقهر.
قال أحد الشبان وهو طالب جامعي 'لا توجد حياة مع المستوطنين. هؤلاء قتلة ينتشرون في كل مكان'.
يقول الفلسطينيون رسميون وشعبيون أن هناك محرقة متدرجة ينفذها المستوطنون ضدهم.
وعلى الأرض تشير الوقائع إلى أن النار التي تضرم في مناطق كثيرة من الضفة الغربية والقدس لم تجلب حتى اليوم موقفا دوليا حازما كما أشار الوزير عساف.
وقال عساف 'هذه ليست عمليات فردية. من مول هؤلاء وأعطاهم السلاح الرشاش. من بنى لهم الوحدات السكنية في محيط دوما وغيرها، إنها الحكومة الإسرائيلية؛ الجيش والمخابرات'.
'العالم يتعامل مع المحارق بازدواجية كبيرة'، ماذا سيكون رد فعل العالم لو حدث وأن احرق يهودي؟ تساءل عساف.