حتى لا يُحرَق الدوابشة مرتين ! موفق مطر
ليس النضال ومقاومة الاحتلال ردة فعل، وانما منهج وبرنامج وطني، بمثابة دستور كفاحي تحدد القوى الوطنية، وقوى الشعب الحية، وسائله، وأداواته، واهدافه المرحلية، فالقضية قضية شعب وليست قضية فصيل او تنظيم او عائلة او مواطن، حتى يتم تقزيم قضية النضال كمدرسة للشعب يتخرج منها للحرية والاستقلال، والهبوط به مستوى رد الفعل.
لا يجوز – مهما كانت المبررات– لفصيل الادعاء ان العملية الفلانية جاءت ردا على جرائم جيش الاحتلال أو المستوطنين، لأن الفعل النضالي الوطني المتفق على آلياته يجب الا يتوقف ما دام الاحتلال قائما على ارضنا ويمنعنا من حريتنا وسيادتنا على ارضنا، وما دام الاستيطان المنشأ على ارضية عنصرية، يتمدد كالسرطان، ويعيد تجسيم ارهاب وارعاب عصابات الغزو الصهيوني، ويجب تطوير ادواته ووسائله لتنسجم مع المتغيرات على الأرض الفلسطينية اولا، والواقع العربي ثانيا، والساحة الدولية ثالثا، ووضع القضية الفلسطينية قانونيا لدى المجتمع الدولي، واتجاهات معركتنا في ميدان القانون الدولي، والمؤسسات الأممية التي كانت بمثابة (المختبر الصناعي) الذي فيه تم توليد اسرائيل وانشائها كدولة على ارض فلسطين، فمعركتنا الدبلوماسية السياسية القانونية هناك بذات الأهمية مع مقاومتنا هنا على أرض فلسطين، مقاومة شعبية سلمية، موازية، رديفة، وداعمة، ورافعة لمبدأ الحق في الحياة والحرية والاستقلال والسيادة، لا مجال لثغرات في جدارها، فيستغلها الاحتلال لاختراق جبهتينا، هنا على أرض الوطن، وهناك حيث نناضل لاقناع العالم بحقنا التاريخي والطبيعي في هذه الأرض، التي لا وطن لنا سواها.
من يصدر بيانات اعماله وعملياته على اساس انها رد، انما هاجسه زيادة عدد مؤيدية، كما يظن مستغلا الحالة العاطفية للجماهير وانفعالاتها لحظة الحدث وما بعده بوقت قصير، فأمثال هؤلاء تركز عيونهم على الزيادة الطارئة عدد نسخ الراية الحزبية في الفعاليات الجماهيرية، وتلف وتدور عن صناديق الانتخابات، هذا ان احسنا الظن قليلا بهم، لكن الحقيقة التي نعرفها حتى اليقين، انهم يسعون للانتقام من القيادة والسلطة باستدراج ردود افعال اسرائيلية، على رد فعل، على جريمة ارهابية، ندرك ويدركون جيدا انها حلقة في مسلسل جرائم وارهاب الاحتلال منذ وصول اول عصابة مسلحة الى أرضنا عبر البحر، وانها نموذج همجي بربري يتكرر في انحاء فلسطين مع تغييرات طفيفة، فجريمة ابادة عائلات باكملها في قطاع غزة، بقصف بصواريخ الطيران والقذائف الموجهة، مثل جريمة تحريق ومحاولة ابادة عائلة الدوابشة بلهب النار، فتلك الجريمة تتطلب منا خططا لمعركة قانونية مع دولة الاحتلال التي تقدم نفسها للعالم كدولة قانون ديمقراطية، مدينية!! وهذه الجريمة تتطلب منا ابتكار وسائل مقاومة شعبية جديدة (كاللجان الوطنية لحماية القرى والبلدات) وبحث الثغرات في برنامج المقاومة الشعبية السلمية والعمل الجاد وباصرار على لسدها، ودفع وتيرتها لتتناغم مع وتيرة النبرة العالية للقيادة على منابر مؤسسات المجتمع الدولي. فملف الاستيطان، والعدوان على غزة وابادة العائلات باعتبارهما جريمتي حرب ستنظر بهما الجنايات الدولية سواء استشهد الرضيع علي الدوابشة والتحق به والده سعد أو لم تحدث جريمة تحريق العائلة، ففتح مسارات نضالية جديدة اقتضتها مستجدات موقع فلسطين على الخارطة الدولية، والاعتراف بها من مؤسسات دولية كثيرة، منحتنا شرعية وقانونية فتح جبهات اشتباك قانوني وسياسي مع دولة الاحتلال، وليست مجرد رد فعل كما يحلو للبعض اعلاء نبرته والتفاخر، وكان قضيتنا الفلسطينية الوطنية، والمركزية للأمة العربية، والتي يعتبر حلها مفتاح الاستقرار والسلام والعالم ايضا، كأنها مشكلة بين قبيلتين تأخذ احداهما بالثأر كلما فقد فرد او مجموعة من القبيلتين صوابه وارتكب جناية ما، فالحرص على دماء وارواح افراد الشعب الفلسطيني، والرغبة بحفظ كراماتهم الانسانية، وافهام دولة المستوطنين وحكومة الاحتلال ان دماء شعبنا ليست رخيصة كما يظنون، يعني ألا نسمح لأحد بتحقير القضية، والصراع مع المشروع الاحتلالي الاستيطاني العنصري الارهابي، وانزاله الى مستوى رد الفعل.
يحتم علينا مشهد جريمة وارهاب الاحتلال والمستوطنين ويدفعنا لابداع وسائل جديدة، لكن علينا التعقل والتذكر دائما، ان جريمة موازية ستحدث ان سمحنا بحرف عجلات البرنامج الوطني، واخرجناه عن سكته، بقوة دفع عناوين تبدو مثيرة وطنيا ومدغدغة لمشاعر الجمهور، ونعتقد ان فلسطينيا وطنيا لن يفعلها، فقد ننجز في اطار نضالنا العقلاني المؤزر بالحكمة والعلم والدراسات في مؤسسات القانون الدولي، بالتوازي مع مقاومتنا الشعبية السلمية على الأرض، لنمضي مع الشهيد الرضيع علي دوابشة نحو تآزرنا الوطني نعزز به وحدتنا وطريقنا نحو القدس الأبية الحرة، لا أن نواصل المزاودات الغنائمية إن صح التعبير حتى لا يموت الرضيع علي مرتين.