"المقاصد" أكبر مؤسسة تشغيلية في القدس... تتهدّدها الأخطار
وفا- راسم عبد الواحد
منذ فترة تشكو مستشفى "المقاصد" الخيرية من أزمات مالية خانقة تُهدّد استمرارية وجودها وتنعكس سلبا على نوعية الخدمات التي تقدمها لمواطنين في كافة محافظات الوطن.
ومستشفى "المقاصد" جمعية خيرية إسلامية تقع على سفوح جبل الزيتون المُطل على القدس القديمة أكبر مؤسسة فلسطينية تشغيلية في مدينة القدس المحتلة، يضم كادرا مكونا من 750 موظفا من بينهم 49 طبيبا اختصاصيا ومستشارا، و74 طبيبا مقيما ضمن برنامج التدريب الذي يرعاه المستشفى، و344 ممرضا وممرضة بالإضافة إلى الإداريين والفنيين.
مدير المستشفى الدكتور بسام أبو لبدة لخص لوكالة "وفا" ما يمر به مشفى المقاصد، وقال: "يعاني مشفى المقاصد من أزمة مالية تراكمية خانقة عبر سنوات، أهمها الطابع الخيري لهذه المؤسسة والرسالة الإنسانية التي يقدمها لأهلنا في الوطن. وقد تفاقمت الأزمة في الآونة الأخيرة بسبب عجز وزارة الصحة الفلسطينية عن سداد التزاماتها المالية للمشفى مقابل شراء الخدمة للمرضى المُحولين من وزارة الصحة".
وأضاف: "حاولنا مرارا الحديث والاجتماع مع المسؤولين على كافة المستويات لحل هذه الأزمة وسداد المستحقات المالية، وقامت وزارة الصحة بسداد بعض هذه المستحقات مؤخرا، ولكن المبلغ المدفوع لم يكن كافيا لسداد الالتزامات المترتبة على المستشفى من ديون للموردين ورواتب للموظفين وأخرى للضرائب المختلفة مما ترتب على ذلك وصول ديون المُوردين إلى نحو 30 مليون شيقل وعدم قدرة المستشفى دفع رواتب الموظفين لمدة تزيد عن الشهرين بالإضافة إلى شهر أكتوبر".
ولفت أبو لبدة إلى قطع شركة كهرباء القدس التيار الكهربائي عن كلية التمريض التابعة للمشفى بسبب تراكم الديون، كما يهدد الموردون بالتوقف عن تزويد المستشفى بالأدوية والمستلزمات الطبية والمحروقات والأغذية وغيرها. وقال: هذا يدفعنا إلى استجداء المُوردين لإحضار كميات قليلة من المواد اللازمة تكفي لعدة أيام فقط مقابل دفع نقدي مما يؤدي أحيانا إلى نقص خطير في بعض الأدوية الهامة في المستشفى.
وبيّن أبو لبدة أن مجموع الديون المستحقة على وزارة الصحة تبلغ نحو 27 مليون شيقل دون فواتير شهر أكتوبر، بالإضافة إلى ديون مستحقة على الخدمات الطبية العسكرية والتي تبلغ نحو خمسة ملايين شيقل.
وقال: "تم الاتصال مع عدة دول عربية وغربية لتقديم المساعدة للمشفى خاصة حكومة النرويج الصديقة، التي استجابت مشكورة بتقديم دعم مالي قد يمكننا من دفع راتب شهر للموظفين قبل عطلة عيد الأضحى المبارك، ولكن ما زلنا بانتظار الموافقة النهائية من وزارة التعاون الخارجي النرويجية، وقد يسددون أيضا بعضا من الالتزامات نحو الموردين".
وأوضح مدير المقاصد أنه تم تشكيل لجنة بالاتفاق مع وزارة المالية والاتحاد الأوروبي وحكومة النرويج مهمتها توفير الدعم للمشفى والإشراف على سبل إنفاقه ومتابعة الخطط الاستراتيجية للنهوض بالمستشفى من أزمته الحالية مع التزام وزارة الصحة بدفع كافة المستحقات التراكمية والمستقبلية. مشيرا إلى أن الدعم الذي ستوفره حكومة النرويج والاتحاد الأوروبي سيستغرق شهرين على الأقل أي أن المستشفى بحاجة إلى رفده بالإمكانيات المالية العاجلة خلال هذه الفترة.
وحول الأزمة المالية، قال أبو لبدة: "كنا نفكر جديا الأسبوع الماضي بدعوة كل من يهمه الأمر من المسؤولين إلى المستشفى لاطلاعهم على الأوضاع الخطيرة والصعبة التي تمر بها المستشفى والتي تهدد استمراريته حتى نضع الجميع أمام مسؤولياته، ولكن استجابة الموردين لاستغاثاتنا وموافقتهم على الاستمرار بصورة محدودة بتوريد الأدوية والمستلزمات للمشفى وكذلك الوعد بالدعم من حكومة النرويج هو الذي دعانا إلى تأجيل عقد مثل هذه الخطوات".
وأضاف: "ولكن حينما ضاقت بنا الأسباب وأوصدت أمامنا الطرق ناشدنا الرئيس أبو مازن التدخل لحل هذه الأزمة، وقد أوعز بذلك إلى رئيس الوزراء، ولكن حتى الآن لم نتلق أي دفعة مالية قبل عطلة عيد الأضحى".
وأشار أبو لبدة إلى الخلل الإداري والمالي الذي عصف بالمستشفى، وقال إن المستشفى تجاوزت الأزمة وأجرى تغييرات كاملة منذ شهر آذار مارس الماضي وتم وضع كافة الجهات في صورة هذه التغييرات والإجراءات لإصلاح الخلل.
من جانبه، قال سليمان تركمان رئيس قسم التمريض بالمستشفى إن الأمر يتعدى قضية الرواتب إلى أمكانية استمرار المستشفى من عدمه. وقال إن الأخطر يتمثل بالسؤال: هل المستشفى قادر على أداء رسالته الصحية لمجتمعه الفلسطيني أم لا في ظل ظروفه الحالية؟. وقال: "أصبحنا في ضائقة لا نستطيع توفير الأساسيات للمرضى سبب النقص المالي".
بدوره، قال الدكتور علي الحسيني رئيس نقابة العاملين بمستشفى المقاصد الخيرية الإسلامية، إن الموظفين تلقوا نصف راتب شهر تموز الماضي، وها هو شهر اكتوبر انتهى لينضم إلى الأشهر المستحقة للموظفين.
وعزا الحسيني أسباب الأزمة المالية في المستشفى إلى عدة عوامل في مقدمتها: تأخر وزارتي الصحة والمالية بتحويل المبالغ المستحقة للمشفى مقابل الخدمة التي يقدمها عن طريق تحويلات المرضى التي تأتي بمعدل 6 مليون شيقل شهريا تقريبا، بالإضافة إلى فوائد المصارف، حيث يضطر المستشفى حينما يتأخر في الدفعات للموردين للأخذ من المصارف والتي يترتب عليها فوائد كبيرة، وفي أحيان كثيرة تضطر المستشفى إلى الدفع النقدي للموردين للحفاظ على استمرارية العلاقة معهم.
لكن الدكتور الحسيني أكد أن السبب الرئيسي للمشكلة المالية في المقاصد تكمن في عدم تحويل السلطة الأموال بشكل منتظم لأسباب تتعلق بعدم وجود سيولة مالية، موضحا أن ذلك جزء من الوضع العام.
ولفت الحسيني إلى متابعة محافظ القدس لكافة الأوضاع في المستشفى وتفهمه لها لكن المشكلة الأساسية، حسب الحسيني، هي لدى رئيس الوزراء سلام فياض ووزير الصحة والمحاسب العام.
وأوضح أن وزارة الصحة تقول بأنه لا يوجد لديها أموال، ووزارة المالية تقول بأنها تُحول لكل وزارة مستحقاتها المالية الشهرية بالكامل وأن ما يتعلق بأموال مستحقة لصالح مشفى المقاصد يجب متابعتها في وزارة الصحة جهة الاختصاص.
وتساءل الحسيني قائلا: كيف يطاوع ضمير كل مسؤول عدم دفع رواتب الموظفين بعد ثلاثة أشهر من انقطاعه بالإضافة إلى أنهم على أبواب عيد الاضحى المبارك.
وأعرب الحسيني عن ألمه لعدم التمكن من الجلوس مع الرئيس عباس أو رئيس الوزراء لعرض مشكلة المقاصد رغم العديد من المحاولات لترتيب ذلك.
أما عن خطوات نقابة العاملين المستقبلية، فأوضح الحسيني بأن النقابة فكرت بعقد مؤتمر صحفي تشرح فيه الأوضاع الخطيرة التي يمر بها المستشفى، لكنه تم العدول المؤقت عن هذه الفكرة، فيما تفكر النقابة باتخاذ خطوات احتجاجية مثل تعطيل مرافق معينة في المستشفى وتوقيفها عن العمل، لكنه أردف بأن الإضراب عن العمل فيه الكثير من الحسابات التي تأخذها النقابة بعين الاعتبار وأهمها أن احتجاجات العاملين ليست ضد إدارة المستشفى، بل للمطالبة بالتحويلات المالية من السلطة ثم لا يعقل أن تُمنع الخدمة الطبية عن مرضى من مختلف محافظات الوطن تحملوا مشاق السفر ووصلوا بشق الأنفس للقدس وللمستشفى.
وناشد الحسيني الرئيس محمود عباس التدخل العاجل لإنقاذ المستشفى والاستماع للمشكلة التي يعاني منها من أصحابها.
وقال: "نحن نتحدث عن القدس وعن المقاصد وهي أكبر مؤسسة مقدسية تشغيلية ومن المؤسسات المقدسية القلائل الباقية في المدينة ولا يعقل أن نحارب بأيدٍ فلسطينية في الوقت الذي نُحارب فيه بأيدي الاحتلال.
تجدر الإشارة إلى أن وزير الصحة فتحي أبو مغلي امتنع عن الإدلاء بتصريحات لوكالة "وفا" حول أزمة المقاصد والمديونية على وزارته.
من جهته، أكد رئيس ديوان الرئاسة حسين الأعرج أن وزارة الصحة حوّلت قبل أيام مبالغ إلى المقاصد، مؤكدا أن وزارة المالية وكلما آتاها أموال تقوم بدفع مستحقات لوزارة الصحة حسب الديون وحسب الموردين.
ولفت إلى أنه كانت حصة المقاصد 8 مليون شيقل من أصل 30 مليون تم تحويلها للصحة، وقال: تحدثنا مع المالية والصحة من أجل تحويل دفعة أخرى للمقاصد وسائر المؤسسات الصحية بعد العيد.
وقال: وصلتنا رسالة من المستشفى وحولها السيد الرئيس إلى رئيس الوزراء للمساعدة في تخفيف أزمة المقاصد.
وأكد الأعرج حرص الرئاسة والقيادة بمشفى المقاصد وبكافة المؤسسات الفلسطينية في المدينة المقدسة، لكنه أشار إلى الظروف المالية الصعبة التي تمر بها السلطة الوطنية.
وأقرّ رئيس ديوان الرئاسة بوجود مشاكل وأزمة مالية حقيقية في المقاصد، ولكنه أوضح بأن التأخر في التحويلات المالية من وزارة الصحة والمالية ليست هي الأسباب الرئيسية. لافتا إلى أن المقاصد "عصفت بها مشكلة إدارية ومالية تتعلق بإهدار المال العام، حيث تم تشكيل لجنة خاصة وجرى تغيير الإدارة وبالتالي فالمقاصد في طور التعافي من الإدارات السيئة السابقة التي بدّدت الأموال".
وأوضح الأعرج أن الرئيس وجه تعليماته لرئيس الوزراء لحل المشكلة، مؤكدا أن الموظفين على قمة اهتمامات الرئيس ووزارة الصحة ووزارة المالية.