شارع واحد بأسماء متعددة..!!
على أنغام فرقة زمن العكاوية، أختتم مهرجان حياة بيت لحم الثالث، ليلته الرابعة والأخيرة، الذي نظمته مؤسسة هولي لاند تراست، لإحياء شارع النجمة التاريخي في مدينة بيت لحم.
شهد المهرجان، اقبالا جماهيريا كبيرا، وتحوّل شارع النجمة، خلال ليالي المهرجان، إلى ما يشبه الشوارع الشهيرة في مدن رئيسة في العالم، من حيث كثافة المتحركين فيه، على الأقل. وإظهاره للتنوع في الحياة الفلسطينية. يعتبر شارع النجمة، مدخل مدينة بيت لحم التقليدي. طوله كيلو متر واحد، لكنه يحوي، ما يُمكن وصفه بموروث مدينة المهد التاريخي، والثقافي، والاجتماعي، والديني. يبدأ الشارع من دوّار العمل الكاثوليكي، وعند نهايته بوابة قوس الزرارة، التي يُسميها الأجانب بوّابة دمشق، وهي المدخل القديم والرئيس لمدينة بيت لحم. تشير التقاليد، إلى أن العائلة المقدسة دخلت منها إلى مدينة بيت لحم، لتشهد ميلاد طفل المغارة. يُطلق على الشارع أيضا اسم (شارع البطاركة) لأنه الطريق التقليدية لمرور مواكب البطاركة الآتين من القدس، خلال احتفالات أعياد الميلاد، ويُسمى أيضا (شارع التراجمة) لعمل سكانه في خدمات الترجمة للحجاج، والبعض يسميه راس فطيس، نسبة لأسطورة محلية، تتعلق بتدخل الهي للتغلب على جيش غازي. خلال السنوات الماضية، أُعيد افتتاح الشارع ثلاث مرات على الأقل، ونُفذت فيه مشاريع كبيرة، بتمويل أجنبي، لإعادة احيائه، ولكنها فشلت، وهو ما جعل سكان الشارع يشعرون بإحباط.
أُدرج الشارع على قائمة التراث العالمي، التابعة لمنظمة اليونسكو عام 2012م، باعتباره "مسار الحجاج" ولكن ذلك لم يساعد، في اثارة الاهتمام اللازم به، وإعادة الحياة إليه.
وخلال اكثر من 15 عاما، نفذت مشاريع عديدة لحياء الشارع، وصرفت مبالغ كبيرة، ولكن دون جدوى. تضعضعت مكانة الشارع التجارية، مع الانتفاضة الأولى، ونقل الكثير من أصحاب المصالح التجارية في الشارع، أعمالهم، تدريجيا إلى أماكن أُخرى، واغلقت معظم المحلات في الشارع. جرت محاولة طموحة، ضمن مشروع بيت لحم الفين، لإحياء الشارع، بافتتاح ما سمي سوق الميلاد، ولكن كما يذكر كتيب مهرجان حياة بيت لحم: "في عام 1999، وقبل يومين من انطلاق سوق الميلاد، وقعت بلدية بيت لحم، اتفاقية مع شركة محلية تسمى (باديكو) والتي سمحت لجميع الحافلات بإيصال السياح إلى محطة الحافلات، الأمر الذي اثر سلبا على الحركة في شارع النجمة، ونتيجة لهذا الاتفاق لم يزر أي سائح شارع النجمة، وكثير من التجار حزموا أمتعتهم وغادروا في وقت مبكر غاضبين، وجرّوا أذيال الخيبة، لما أصابهم من خسائر مالية ومعاناة نتيجة لهذا الاتفاق". ما يهم أهالي الشارع، هو حاله بعد المهرجان، ولديهم يقين، بان اعادة الحياة لشارعهم، يتم عندما يتم تغيير مسار السياح، من الشارع الجديد، إلى شارعهم، وما يمنع ذلك، حسب مراقبين محليين تحكم فئة قليلة في القطاع السياحي في مدينة بيت لحم، وهو من الامور التي يطرحها عادة المرشحون للانتخابات البلدية، واعدين بحلها، ولكنها لا تحل، ينسى المرشحون ما وَعَدوا به، ولا يطالب الناخبون بما وِعِدوا به.
تقول ماري أنسطاس، التي تقطن في الشارع، منذ خمسينات القرن الماضي: "عشنا في الشارع في علاقات متماسكة، كان الشارع قلب بيت لحم النابض، الان اختلف الأمر، السياح لا يمرّون منه، إلا مصادفة، والمهرجانات والمناسبات التي تُنظم في الشارع، لا تُحييه إلا عدة أيّام". يوجد في الشارع عدة مؤسسات مهمة، مثل نادي العمل الكاثوليك، وكنيسة الروم الكاثوليك، وكذلك يحوي معالم اثرية وسياحية، مثل آبار الملك داود. يقول محمود زبون، وهو خيّاط ما زال صامدا في الشارع: "كان الشارع يعجّ بالحياة، والحركة، واستقطبت محاله، المواطنين، ليس فقط من بيت لحم، لكن من مدن أخرى، ولكن الأمر تغير، ولم تفلح محاولات إحياء الشارع، بإعادة الحياة إليه، نحن في الشارع نعيش ظروفا صعبة، نعجز عن دفع ضرائبنا، بسبب ضعف الحركة التجارية. مظم المحلات التجارية في الشارع مغلقة". يتميز الشارع، ليس فقط بعمارته التقليدية، ولكن أيضا بنقوشه الكتابية والزخرفية، ذات الدلالات الوطنية المحلية والدينية.
تؤدي إلى الشارع عدة أدراج، تُشكّل كل منها أحواش وحارات صغرى، وفيه عدة أحواش متوسطة الحجم، سكنت فيها عدة عائلات، من بينها حوش أبو جارور الذي رُمم مؤخرا، كجزء من مشاريع اعادة إحياء الشارع، وفي جزء من هذا الحوش افتتح الفنان لان نوليس، وهو خبير ايقونات، ورشة تدريب على فن الايقونات: "ندرب في ورشتنا أشخاصًا على عمل الأيقونات، ضمن مشروع لإعادة احياء الشارع التاريخي. وأعمل على تزيين جدران محل على الشارع، بالأيقونات، ليكون كنيسة صغيرة، على درب الحجاج من القدس إلى بيت لحم، وهو مساهمة أيضا في الجهود لإعادة أحياء الشارع". جاك حوش، صاحب محل مغلق في شارع النجمة، دائم الشعور بالغضب من حال الشارع: "منذ عام 2000 ونحن نعاني، شارع النجمة أصبح شارع الأشباح، خصوصا مع غروب الشمس، حاولنا كأصحاب محلات في الشارع، أن نقاوم حتى أخر قرش نملكه، ليعود كما كان، ولكننا لم نتمكن، جربنا فتح محلاتنا أكثر من مرة، مع وعود من المسؤولين بالدعم، ولكن التجارب لم تنجح".