إنجاز أنجح عملية ترميم منازل في القدس القديمة منذ العام 67
من محمد ابو خضير - حصلت لجنة ترميم "حي القرمي" في البلدة القديمة على شهادة دولية كافضل ترميم للمباني القديمة في المنطقة ،وذلك بعد ان اعلنت لجنة ترميم "حي القرمي" عن انتهاء ترميم 31 منزلا.
كانت القدس باسرها ارتجت وانتابها القلق على اقدم احياء المدينة المقدسة "حي القرمي"عندما تم الكشف عن انهيارات وتشققات في الحي، بسبب الانفاق والحفريات والبنية التحتية المتآكلة والانفجار الذي وقع في شبكة الصرف الصحي في المنطقة، الامر الذي استغلته في حينه بلدية القدس لاستصدار قرار باعتبار هذا الحي الاقرب لحائط البراق والمستهدف من قبل المستوطنين منطقة "ممنوع السكن "و"ابنية خطرة"كان ذلك قبل نحو عامين.
وزادت معاناة اهل ذلك الحي ،بعد ان ترك معظمهم البلدة القديمة وخرجوا لاستئجار منازل خوفاً من انهيار مساكنهم ،واصبح الخطر مضاعفا لطمع المستوطنين في الاستيلاء عليها ،لقربها من العديد من البؤر الاستيطانية.
مصطفى ابو زهرة
وقال مصطفي ابو زهرة، لـ "القدس" ان الترميم لكافة منازل حي القرمي انتهى ولم يتبق إلا رتوش خفيفة وصيانة بسيطة لبعض المنازل نتيجة للامطار اثناء العمل ،مؤكداً ان الاعمار والترميم والتدعيم كان لكامل الحي ،للاساسات والارضية بشكل كامل.
ووصف عملية ترميم الحي بانها من أهم وألحح مشاريع الترميم التي نفذت في البلدة القديمة.
واوضح ابو زهرة ان سبب التصدعات والشقوق مياه الصرف الصحي «المجاري» والمياه العادمة والمياه التي تتسرب من شبكة المياه الإسرائيلية (جيحون) ونحن نحملهم مسؤولية الاضرار. مؤكدا ان الحفريات الإسرائيلية اساس كل تصدعات المباني في البلدة القديمة، فالحفريات والانفاق لا يعرف احد مداها وخطورتها وتتم بشكل سري ما يشكل خطرا على المباني القديمة في المدينة المقدسة.
واوضح ان جمعية الرفاه رممت في الحقب السابقة عددا من المنازل ،واليوم انتهينا تقريباً من الترميم الشامل والتاريخي لحي القرمي.
ولفت ابو زهرة الى ان الترميم تم وفق افضل الطرق العلمية وبشهادة الخبراء الدوليين والبلدية التي قرر خبراؤها ان هذه المنازل رممت بشكل جيد وعملي وبافضل الطرق واصبحت آمنة للسكن (النموذج و ) التي تصدرها البلدية في نهاية بناء المباني الحديثة.
وقال ابو زهرة ان المهندسين والعمال قاموا في المرحلة الاخيرة بازالة الحديد الداعم الذي وضع في البداية لدعم المباني خوفاً من انهيارها ، وانهينا عملية تكحيل الجدران الخارجية ،بعد عملية تدعيم الاساسات بشكل فني وعلمي وفق اعلى المواصفات المهنية باشراف خبراء عرب على رأسهم المهندس فؤاد الدقاق بالاضافة الى خبراء دوليين وإسرائيليين انتدبتهم البلدية وسلطة الآثار الإسرائيلية للاشراف على الترميم وحصلنا على شهادة معترف بها.
واضاف ان عملية الترميم جرت في المجمع الاول والتي تضم (28 منزلا) اشرفت عليه جمعية القدس للرفاه والتطوير ونفذته بتمويل من البنك الإسلامي للتنمية، اما المنجرة وبيت الطيب وبيت الجعبري،هذه البيوت الثلاثة، قام بتمويل ترميمها مؤسسة التنمية و التعاون التركية (تيكا).
مضيفاً ان من المباني التي تم ترميمها "حمام تركي "بناء مملوكي (عقاد)، تحول في مطلع القرن الماضي الى منجرة قديمة تعود ل(ابو ايمن )سيدي احمد، عبارة عن منجرة، تحولت الى بيت تصدع بفعل الحفريات قمنا بترميمها،يأتي في زاوية حي القرمي.
سيمون عيسى سمعان كوبا
بدوره اوضح سيمون عيسى كوبا المهندس المنفذ الذي فاز بمناقصة ترميم المنازل، لـ "القدس": "لقد نفذنا ترميم منزلا كمؤسسة ،فيما نفذت مؤسسة الرفاه ثلاثة منازل بشكل كامل لم يبق سوى بعض التشطيبات الخارجية والكحلة النهائية .ولفت الى ان الآثار بعد اكتشاف التصدعات والتشققات استصدروا كتابا وألصقوه على المباني يمنع دخول هذه المباني في حي القرمي وتم إخلاء كل الحي .
واستعرض كوبا لـ"القدس" مراحل عملية الترميم ، وقال :" قبل عام ونصف العام حصلنا على مناقصة معمارية لترميم مسكنا ،اعداد دراسة للوضع القائم أذ كان هناك دراسات جيولوجية قبل شروعنا في العمل ،لكيفية ترميم التصدعات والتشققات التي ظهرت في بيوت الحي،خاصة اننا جمعنا الخبرات الهندسية المتخصصة في الترميم بشكل محدد داخل البلدة القديمة ذات الطبيعة الخاصة.
وتابع كوبا يقول :" توليت قيادة عملية الترميم، حيث اكتسبت خبرة طويلة تزيد عن عاماً في الترميم ،وانا ابن البلدة القديمة واحد الذين لديهم معرفة بتاريخهاوطبيعة العمارة والابنية القديمة في البلدة العتيقة،وبالفعل واجهتنا مشاكل معمارية وانشائية ". تغلبنا عليها ليخرج هذا الترميم بافضل شكل بشهادة خبراء من اكثر من جهة محلية ودولية .
وعن فحوى ومضمون الدراسة الجيولوجية التي سبقت الترميم واسباب الانهيار والتشققات قال المهندس كوبا :"اولاً التشققات الظاهرة نتيجة سيلان المياه والمياه العادمة التي عملت على تآكل في التربة وحلحلة التربة وانزلاقات في الطبقات السفلى،والتي تسببت بعملية (ترييح)،لم تتسبب المياه في انهيار المنازل مباشرة ولكنها مع الوقت واستمرار تسرب المياه والمياه العادمة قد تتسبب بانهيار هذه المباني التي يعود تاريخ بنائها الى - عام.
واوضح ان عملية الازاحة و(الترييح)في هذه المباني القديمة لا يتجاوز سنتمترا واحدا في باطن الارض ولكن مع ارتفاع العمارات وتداخلها فان هذا السنتمتر مع الارتفاعات يزيد بنسب مختلفة حسب كل بناية ووضعها،ويصبح ظاهرا للعيان.
ورداً على سؤال حول الخبرات والقدرات الهندسية في عملية الترميم، قال كوبا:"لقد خضنا في البداية عملية بحث عن شخصية ذات خبرة في العمل داخل البلدة القديمة ومختص بعملية الترميم،إذ من الممكن الحصول بسهولة على مهندس قادر على بناء ناطحة سحاب ولكن في فن وطراز واسلوب العمارة القديمة في القدس لا يفقه شيء، وبعد رحلة بحث وقع اختيارنا على المهندس المتمكن فؤاد الدقاق للعمل معنا في المكتب على هذا المشروع حيث سبق وعملنا معا في مشاريع مشابهه، ويعتبر متخصصا في إعمار القدس القديمة ".
واضاف ان عملية الترميم في حي القرمي جاءت من اسفل الى اعلى،فشرعنا بتدعيم الاساسات اولاً ثم الصعود الى اعلى فالاعلى،فنحن حتى اليوم لا نعلم اين اساسات هذه المباني،لانها ابنية قديمة تم تشييدها على ركام ابنية انهارت نتيجة للهزات الارضية التي ضربت القدس قبل عقود،لذلك بعض المباني بوضعها السابق قد تعاود الانهيار ،لاننا خلال تدعيم الاساسات وجدنا ابنية لا نعلم طبيعتها هل هي آبار ام اسواق وأم بنايات لا نعلم لذلك اتبعنا الاسلوب العلمي في مثل هذه الحالات وهو اسلوب التجنيح في تثبيت العمارات والابنية القديمة ،أي تدعيم العمارة بالاسمنت المسلح من الداخل مع اجنحة في الخارج للتثبيت.
ولفت كوبا الى ان مثل هذا العمل الضخم ،والواسع في باطن الارض وفي أكثر المناطق حساسية وقدسية في العالم كان لابد من التنسيق مع البلدية والآثار بشكل متوازن للحصول على التصاريح والتراخيص اللازمة وهذا حسب اعتقادي سبب نجاح المشروع حتى النهاية ،دون توقيف الترميم او مخالفات ،حتى اننا اضطررنا الى التعاون مع الشرطة لاننا في مراحل معينة كنا بحاجة لإغلاق الطريق .
وبين المهندس كوبا ان الطريقة المتبعة في تدعيم اساسات الابنية القديمة ،عمل ثقوب (خوازيق) في الارض بطول او امتار مع شبكة حديد مع ضخ باطون مقوى فيها،وجدنا ان هناك فراغات في اسفل هذه الابنية ضخمة قد تستوعب الف كوب ولا تؤدي الغرض المطلوب، فاستبعدنا هذا السيناريو من العمل والحل ،فلم يبق امامنا إلا حل الاساسات الجناحية ،فحفرنا في الجدران فوجدنا انه لا يمكن النزول والحفر اكثر من 70 سنتميترا، فقمنا بعمل اساسات جديدة من الداخل والخارج وقمنا بربطها بالعمارة،اي اصبحت هذه الاساسات كالاجنحة، فلم يعد اساس العمارات على عرض الحيطان بل على ارضيتها مهما كان حجمها اضافة الى متر حولها بشكل مترابط .
وفي رد على سؤال حول اهم المشاكل مع بلدية القدس قال المهندس كوبا :"اهم مشكلة كانت منع بلدية القدس استخدامنا الاسمنت والحديد ودفعتنا لاستخدام (الدبش)الحجارة والاسمنت الجيري،وضعت البلدية ذلك شرط اساس للعمل، وفعلاً التزمنا بذلك وقمنا بالمعالجة باضافة الحديد في المناطق الداخلية .مشيراً الى صحة موقف مهندسي البلدية لان الاساس لا يعتمد على الحديد وانما على الباطون، فالحديد للشد مثل مادة المطاط لكن الذي يقاوم الضغط هو عنصر الباطون وليس الحديد".
وتابع ان المهندس فؤاد الدقاق بذل جهدا كبيرا إذ قمنا بعمل اساسات خارجية للعمارات بعرض سم الى متر من الخارج برصف الحجارة (دبش)مخلوط بالاسمنت الجيري،ومن الداخل عملنا على تفريغ كل المساحات وعملنا على حفر الجدار من الداخل مع اسمنت جيري و( دبش )واعلاها شبكة حديد كبيرة قمنا بربطها في الخارج عبر مرابط كبيرة ،بهذا الاسلوب المعماري دعمنا وسندنا الجدران من الداخل والخارج بحيث مهما حدث في الاسفل لا يمكن ان تتحرك او (تريح) في المستقبل.
واشار الى انه بحل قضية الاساسات لهذه المباني،تم حل قضية المياه والمجاري بوقف التسرب الماء والمجاري اسفل المباني،لينطلق بعد ذلك الترميم الكلاسيكي ،بتصليح وسد الشقوق والموالي المتضررة ،واتبعنا نفس العلاج في الطوابق المرتفعة .
واوضح المهندس كوبا ان البلدية كانت تخشى من ان تؤدي الاضرار الناجمة عن الحفريات والمجاري والمياه العادمة الى وقوع كارثة بانهيار هذه الابنية على رؤوس اهلها ما دفع البلدية الى التنسيق ،ونحن عملنا وفق هذا التنسيق مع بلدية القدس وبمشاركة مهندس مختص بالعمارة القديمة (يعقوب شيفير-محاضر - ومختص على المستوى الدولي ) واستفدنا من