'سوسيا' تخشى إنذار الإوزّ
عميد شحادة
داخل كهف معتم، تبكي الطفلة سارة من لسعات البعوض، ولا تدري أن هم عائلتها الوحيد الآن، حمايتها من لسعات نار قد يوقدها مستوطنون في مهدها، بعد قرار المحكمة الإسرائيلية هدم قريتهم سوسيا جنوب الخليل، وترحيلهم منها إلى الأبد.
في سوسيا، لا يقلق 400 فلسطيني من العيش في الكهوف ولا النوم بين الأفاعي والعقارب، ما يقلقهم، أن يستفرد بهم المستوطنون وجيشهم، بعد خروج المتضامنين الأجانب من القرية.
تقول سارة النواجعة، جدة الطفلة سارة التي تبكي من لسعات البعوض: 'ما يخيفنا أن يستفردوا بنا في الليل، نحن خائفون، دائما نتخيل أنهم سيهجمون علينا بالجرافات'.
وجود المتضامنين الأجانب يُشعر سكان سوسيا بالأمن، أكثر مما يشعرهم به طلب أميركا من إسرائيل العدول عن قرارها بهدم الخربة وترحيل سكانها، فحتى المسنات الفلسطينيات في سوسيا، على بساطتهن، يتحدثن في السياسة من داخل كهوفهن وخيامهن، غير مستبعدات أن 'تجاكر' إسرائيل أميركا، على حساب سوسيا.
يقول الناطق الإعلامي باسم سوسيا، نصر نواجعة: 'هؤلاء أصدقاء الشعب الفلسطيني، الذين يأتون من جميع أنحاء العالم، لرفع صوتنا، ليس فقط في سوسيا، بل في كل مناطق الضفة المحتلة'.
هدم الاحتلال بيوت السوسيين خمس مرات في السنوات السابقة، وكانوا في الأساس يعيشون في منطقة قريبة من كهوفهم وخيامهم التي يسكنون فيها الآن، وهي 'خربة سوسيا القديمة' التي طردهم الاحتلال منها قبل 30 عاما، ليسكنوا بعدها في أراضيهم بين الخربة الأثرية ومستوطنة جديدة تحمل اسم خربتهم.
يقول المواطن محمد النواجعة الذي أنجبته أمه على أرض سوسيا عام 1946، أي قبل قيام إسرائيل بسنتين 'إسرائيل تريد تهجيرنا، كما هجرت الكثير من الفلسطينيين. قريتنا امتداد لشرق الضفة الغربية. إذا نجحوا في اقتلاعنا منها، لن يتوقفوا عن اقتلاع كل القرى من جنوب الخليل وحتى آخر الأغوار، ليغلقوا على الضفة الغربية، وهكذا لن يكون للفلسطينيين دولة'.
السوسيون مثل كل الفلسطينيين، لم يعودوا قادرين على إخفاء سوسة الخوف والعجز إذا ابتعد العالم عنهم وتركهم لمصيرهم، ومصير الشعوب الضعيفة المحتلة أسود من دون عالم عادل.
فليقل ياسر عرفات الزعيم الراحل إن شعبه شعب الجبارين، لكنهم في الحقيقة عاجزون لدرجة أن النساء هنا لا يغيب صوت الدبابات عن خيالهن، ويسرحن في صور مؤلمة منبعها الخوف من النهاية.
سميحة النواجعة، حالفها الحظ بأن ظلت على قيد الحياة بعدما استفرد بها مستوطنون قبل أشهر، فيما كانت ترعى أغنامها، وأشبعوها ضربا وتعذيبا، فأغمى عليها، وانصرفوا عنها ظنا منهم أنها قد فارقت الحياة.
تقول سميحة: 'ما يخيفنا أن يغدروا بنا بعد خروج المتضامنين الأجانب من الخربة، حياتنا كلها خوف بخوف، حتى الأطفال يتبولون في ملابسهم لا إراديا من شدة الخوف من المستوطنين وجيشهم'.
يتمنى فلسطينيو سوسيا، الذين يعملون في الزراعة وتربية المواشي، أن لا تطلق طيور الإوز في خربتهم، جرس إنذارها المبكر، كما فعلت قبل آلاف السنين عندما كانت توقظ الرومان لتحذرهم من هجمات أعدائهم، فكل ما يستطيع فعله السوسيون لو صاحت الإوزات في الليل عند قدوم الغرباء، أن يستيقظوا ليموتوا واقفين.
للمزيد: http://www.wafa.ps/humanity/atemplate.php?id=202615