هدموا المملكة..
بسام أبو الرب
على مقربة من حاجز 'الحمرا' الذي أقامه جيش الاحتلال مع بداية انتفاضة الأقصى عام 2000 في منطقة الأغوار الوسطى، ترفرف أعلام فلسطينية فوق مساكن على قمة تلة تثور على مشهد المستوطنات والمعسكرات المحيطة في المكان كأنها وتد يثبت الأرض الشرعية الفلسطينية.
منذ ساعات الصباح باشرت جرافات الاحتلال بهدم المساكن في المنطقة، والتي تعود للمواطن هايل بشارات وابنه محمود، بعد أن تلقيا أمس، إخطارات بإخلائها خلال مدة عشرة أيام.
لم يمهل الاحتلال محمود (33 عاما) وقتا للإخلاء أبدا. مسحت الجرافات المساكن وسوّتها بالأرض مع إبقاء ما بني قبل العام 1967، وهذا للمرة الثالثة منذ العام 1996، حسب ما تحدث به لوكالة 'وفا'.
محمود الذي كان مبتسما يوم أمس خلال زيارته في 'مملكته الصغيرة'، ولا يعطي الاحتلال أية أهمية، قال إنه سيقوم بتفكيك المساكن قبل تنفيذ الهدم بساعة، وبعد ذلك بساعتين سيقوم ببناء مساكن أخرى بدلا منها.
صورة عدد من المسؤولين الفلسطينيين خلال زيارتهم المنطقة قبل سنوات، ما زالت حاضرة وتعلو أبواب البناء الذي شيد قبل العام 1967، وقد أظهرت الرقصات والفرح احتفالا بهذه الزيارة، التي اعتبرها الأهالي مقاومة لتعزيز صمودهم في وجه المحتل.
يشعل محمود سيجارته ويلقي بنظره غربا نحو حاجز 'الحمرا'، ويقول: أنا ابن المنطقة، ولدت هنا وذكرياتي هنا. درست في مدارس المنطقة وتخرجت من جامعة القدس المفتوحة، حتى أنني أقمت حفل بزواجي هنا، رغم وجود القسم الأكبر من عائلتي في بلدة طمون.
ويحتفظ محمود في جبيه بإخطار للهدم يعود العام 2014، ويقول: هذه الأرض فيها إخراج قيد وكل مرة يستهدفونها. في العام 1996 هدموا المساكن وتم بناؤها مرة أخرى، وفي العام 2007 هدموها وتم بناؤها، وفي العام 2015 هدموا وسيتم بناؤها أيضا.
يقف محمود على أطراف مملكته، ويستعرض مشاريعه المستقبلية لتوسيع حدودها، وزراعة الزيتون والصبر والجوافة، لكن مشكلة شح المياه ربما تسبب عائقا في تطوير مشاريعه، إضافة إلى مضايقات الاحتلال واستهداف أرضه، وما يحيطها من مستوطنات ومعسكر لجيش الاحتلال.
بالقرب من حظيرة الأغنام، يحتفظ محمود بكيسين من الإسمنت، علّها تساعده في وقت الشدة، ويجدها لتثبيت الطوب عند استهداف مسكنه.
عدة أعلام فلسطينية ثبتها محمود في المكان أثارت غضب جنود الاحتلال، الذين حاولوا إجباره على إزالتها، لكنه تحدّاهم ورفض ذلك، وأجابهم بأن يزيلوها بأنفسهم إن أرادوا ذلك.
عند وداع محمود وقف لحظة وأشار بيده بعيدا، قائلا 'هناك ثلاثة غزلان على رأس الجبل، وتحديدا عند تلك الشجرة'، وكأنه يحفظ المنطقة عن ظهر قلب ويعرف كل من يسير عليها.
الهدم الإسرائيلي اليوم، لم يتوقف عند مساكن عائلة بشارات، لكنه طال أيضا مساكن ومنشآت أخرى في بلدات الجفتلك والزبيدات وفروش بيت دجن في الأغوار.