وادي قانا.. اقتناص فرحة "عكرة"
بشار دراغمة
مشهد متناقض، يجسده أطفال بابتسامة بريئة يلهون في مياه "عكرة" تختلط فيها الطحالب، وعلى مقربة من المكان "فلل" استيطانية تخنق كل شيء حولها، لم تضف إلى المكان إلا البشاعة وشهادة للزمن على أرض سرقت من أصحابها الذين باتوا يصلون إليها متسللين علهم يجدون مساحة من الفرح المؤقت.
طريق ترابي غير مؤهل يوصلك بشق الأنفس إلى منطقة وادي قانا قرب بلدة دير استيا في محافظة سلفيت، مكان متواضع للغاية تتجمع فيه عائلات فلسطينية، تمنع سلطات الاحتلال تطويره أو إضافة حتى مجرد مقاعد لجلوس الناس عليها، بحجة أن المكان محمية طبيعية تمنع فيه أي إضافات، وفي الوقت ذاته تعلو الفلل الاستيطانية قمم الجبال هناك، ما يؤكد أن ما تدعيه سلطات الاحتلال باعتبار المكان محمية طبيعية ليس إلا ذريعة للتوسع الاستيطاني الذي يمتد شيئا فشيئا باتجاه السفح.
المواطن جمال خلف جلس بحسرة تحت شجرة استظل بظلها بعد أن مال قرص الشمس باتجاه الغرب، وعثر على حجر اتخذ منه مقعدا، راح يتأمل تفاصيل المكان الذي يحفظه جيدا، مستذكرا أن الأراضي التابعة لبلدة دير استيا كانت تعتبر الأكبر مساحة في الضفة بعد محافظة طوباس، إلا أن الاستيطان لم يبق للمواطنين شيئا.
بكل ألم يقول خلف "منطقة وادي قانا هي المتنفس الوحيد لنا، نأتي هنا في بعض الأحيان بحثا عن أجواء الطبيعة الخلابة، لكن المكان بات مشوها بالاستيطان، كل ما تبقى بضع أشجار ونبع ماء صغير وحتى هذا يستكثره الاحتلال علينا ففي كثير من الأحيان يهاجمنا قطعان المستوطنين".
خلف يصر على زيارة المكان مهما حاولت سلطات الاحتلال والمستوطنون التضييق على الناس، متسائلا "كيف يمكن للإنسان أن يقف متفرجا على أرضه وهو يمنع من الوصول إليها، سنأتي إلى هناك ونقتنص الفرحة من بين أنياب الاستيطان".
في المكان ذاته مجموعة أطفال يلهون في مياه "عكرة"، غطس الطفل محمد برأسه وبات يتخيل نفسه في بحيرة وليس مجرد تجمع غير منتظم للمياه، طلبنا منه الحديث إلينا بعد أن نصحناه بعدم السباحة في هذه المياه غير الصحية، لم يعر الموضوع اهتماما واكتفى بالقول "يا عمي بدي انبسط، يعني وين أروح أسبح".
وبسبب قلة الأماكن الترفيهية تتساهل العائلات مع أبنائها وتسمح لهم بالنزول إلى تلك المياه رغم علمها أنا يمكن أن تسبب لهم الكثير من الأمراض.
خلف خلف، نائب رئيس بلدية ديراستيا والذي قرر مرافقتنا إلى المكان، أكد أن البلدية غير مقصرة تجاه وادي قانا وحاولت عدة مرات تطويره إلا أنها كانت تصطدم دائما بالرفض من سلطات الاحتلال، مؤكدا أن البلدية طلبت تعبيد الطريق وقوبل الأمر بالفرض، بالإضافة لطلبات أخرى تم رفضها مثل وضع مقاعد للناس وصيانة نبع المياه وتأهيل بعض الامكان لتكون ملائمة وتصبح بالفعل مكانا ترفيهيا.
وأشار خلف إلى أن كل ما تقوله سلطات الاحتلال ليس إلا ذرائع لضمان التوسع الاستيطاني وعدم وجود أي مبنى أو مكان ترفيهي حقيقي يمكن أن يعيق المخططات الاستيطانية، مضيفا "تخيلوا أنه يمنع هنا حتى زراعة شجرة واحدة، أو مد خطوط مياه".
الكثير من القصص يمكن أن تكتب عن وادي قانا إلا أنها جميعا لن تخرج عن مضمون واحد وهو أن الاحتلال لا يريد للفلسطيني الفرحة مهما كانت بسيطة.